حين اشتد الحصار على غزة، وشح الوقود من المحطات؛ صار أصحاب السيارات يستخدمون زيت القلي المستعمل لتشغيل السيارات. كنت في وسط ساحة غزة، تريد العودة للبيت، فدخل في رئتك عادم الزيت؛ منذ ذلك الوقت وأنت تستخدم البخاخة الزرقاء لتساعدك على التنفس، وعلى الكتابة أيضا.
لا تجيد التمييز بين النساء ولا العطر ولا السمك؛ تقول في النساء لا تعرف سوى زوجتك. خالك أخبر أمك: هل تريدون أن تزوجوه؟ قالت الأم: نزوجه. قال: عند جيراننا بنت جميلة. وبعد أسبوع صرت زوجا على مزاج خالك.
وبخصوص العطر المهم جميل، ولا يهمك علاقة العطر مع مكونات العرق.
السمك كنت تفضح كل المدعين أنهم خبراء في السمك، كنت تحضر أرخص الأنواع وتقدمه لضيوفك بشكل أنيق في أطباق مميزة، وتقول لهم: هذا السمك من أغلى الأنواع. كانوا يأكلون بشراهة دون تمييز، وفي آخر الجلسة تكشف لهم الخدعة.
لحبك للأطفال كنت تقتل كل فئران وصراصير الحي، وصرت صديقا للبيئة في نظر رجال بلدية المدينة، وشعرت بالخطيئة من قتلك الفئران والصراصير حين شاهدت مسيرة كبيرة على التلفاز بأوروبا لمناهضة عمل تجارب علمية على الحيوانات في سفن الفضاء التي تهبط على القمر. وقتها قلت: حتى الفأر يحترم ويقدم له الجبن المصنوع من حليب أنهاد نساء الوطن العربي. «كم أنت عظيم يا فأر!»
لم تشارك في المقاومة؛ كان رأيك كلنا نقاوم. رجال المقاومة يشبهون الباعة في سوق الأربعاء؛ الأكثر احتراما الذي يبيع اللحم والدم، كل المتسوقين يطرحون عليهم التحية الصباحية فقط.
لكنك اعترفت لي أنك كنت فضوليا لمرتين في المقاومة؛ مرة أحببت فكرة أن تضع قماشا أسود على رأسك أنت وأصدقاء الكرة، ففعلتها وصرت ملثما تركض في شوارع الحي، وكرهت هذا التجربة لأنك وقعت أكثر من مرة وأنت تركض؛ ضاق شهيقك وكنت سوف تختنق من اللثمة. كنت تحمل بيدك طلاء وفرشاة لتكتب كلمة «فلسطين». وقتها فقدت اللغة كما فقدت تنفسك الطبيعي؛ أخطأت عشرات المحاولات أن تكتب كلمة فلسطين على حائط شارع البحر، وقتها جاء طفل صغير وكتبها عنك.
الأخرى حاولت أن تشارك الطلاب في المدرسة برشق الحجارة على شاحنات الجيش الخضراء، رميت حجرا وحيدا ارتطم برأس سيدة تعبر الشارع، فيما بعد عرفت أنها كسرت جمجمة رأسها ودخلت غرفة العمليات. ذهبت أكثر من مرة إلى غرفتها في المشفى لتطمئن أنها ما زالت تملك ذاكرة.
كل من حولك هربوا حين ركض الجنود خلفهم، حاولت أن تركض وتجري بسرعة، لكن قدميك تحولتا إلى حجارة ثقيلة، وقتها لم تتحرك؛ فأمسك بك الجندي الروسي الضخم الأبيض، فصفعك على وجهك، فتبولت في سروالك (تبولا لا إراديا) وطحنك الجنود من الضرب. لكن هذه التجربة محبوبة عندك لأنك أول مرة ترى مجندة جميلة بزي عسكري في معسكر الجيش، وكانت لطيفة معك؛ قدمت لك الخبز الإسرائيلي (ليخم). •••
كلنا مخطئون لأننا نقطع على بعضنا الطرق، فأي طريق نختاره؟ الكل في المرصاد، وكأنه موسم الحصاد.
ناپیژندل شوی مخ