مختصر زاد المعاد
مختصر زاد المعاد
خپرندوی
دار الريان للتراث
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
د خپرونکي ځای
القاهرة
بالحرمان، فلا يلومن إلا نفسه. والمقصود أنه ﷺ اسْتَعَاذَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَهُمَا قَرِينَانِ، وَمِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَهُمَا قرينان، فإن تخلف صلاح العبد وكماله عَنْهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فهو عجز، أو يكون قادرا لكن لا يريده، فَهُوَ كَسَلٌ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فَوَاتُ كُلِّ خَيْرٍ، وَحُصُولُ كُلِّ شَرٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّرِّ تَعْطِيلُهُ عَنِ النَّفْعِ بِبَدَنِهِ وَهُوَ الْجُبْنُ، وَعَنِ النَّفْعِ بِمَالِهِ وَهُوَ الْبُخْلُ، ثُمَّ يَنْشَأُ له من ذلك غَلَبَتَانِ غَلَبَةٌ بِحَقٍّ وَهِيَ غَلَبَةُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةٌ بباطل وهي غلبة الرجال، وكل هذه ثَمَرَةُ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي الحديث الصحيح للذي قَضَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: «حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ، فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونعم الوكيل» فهذا قالها بَعْدَ عَجْزِهِ عَنِ الْكَيْسِ الَّذِي لَوْ قَامَ بِهِ لَقُضِيَ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ، فَلَوْ فَعَلَ الأسباب ثم غلب فقالها، لوقعت مَوْقِعَهَا، كَمَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ لَمَّا فَعَلَ الأسباب المأمور بها ولم يعجز بترك شيء منها، ثم غلبه العدو، وألقوه في النار قال: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ -فَوَقَعَتِ الْكَلِمَةُ مَوْقِعَهَا، فأثرت أثرها. وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ أُحُدٍ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] فتجهزوا وخرجوا لهم، ثم قالوها، فأثرت أثرها؛ ولهذا قال الله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٢ - ٣] (١) وقال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة: ١١] (٢) فالتوكل والحسب بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض، وإن كان مشوبا بنوع من التوكل، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ تَوَكُّلَهُ عَجْزًا، ولا عَجْزَهُ تَوَكُّلًا، بَلْ يَجْعَلُ تَوَكُّلَهُ مِنْ جُمْلَةِ الأسباب الَّتِي لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ إِلَّا بِهَا كُلِّهَا. ومن هنا غلط طائفتان، إِحْدَاهُمَا: زَعَمَتْ أَنَّ التَّوَكُّلَ وَحْدَهُ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ، فعطلت الأسباب التي اقتضتها حكمة الله. الثانية: قامت بالأسباب وأعرضت عن التوكل، والمقصود أنه ﷺ أَرْشَدَ الْعَبْدَ إِلَى ما فيه غاية كماله، أن يحرص على ما ينفعه ويبذل
_________
(١) سورة الطلاق، الآية: ٢-٣.
(٢) سورة المائدة، الآية: ١١.
1 / 76