إِلَّا أَنَّ الِاسْمَ يُذْكَرُ بِمُسَمَّاهُ، وَيَقْتَضِي التَّعَلُّقَ بمعناه، لكفى به مصلحة. وأما النهي عن تسمية الغلام بيسار ونحوه، فهو لمعنى آخر أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّكَ تقول: أثم هو؟»، إلى آخره، والله أعلم هل هي من تمام الحديث أو مدرجة، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُوجِبُ تطيرا، وقد تقطع الطيرة على المتطيرين، فاقتضت حكمة الرءوف بأمته أن يمنعهم من أسباب توجب سماع المكروه أو وقوعه، هذا إلى مَا يَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيقِ ضِدِّ الِاسْمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَمَّى يَسَارًا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْسَرِ النَّاسِ، وَنَجِيحًا مَنْ لَا نَجَاحَ معه، وَرَبَاحًا مَنْ هُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّهِ. وَأَمْرٌ آخر وهو أن يطالب بمقتضى اسمه، فلا يوجد، فيجعل ذلك سببا لسبه، كَمَا قِيلَ:
سَمَّوْكَ مِنْ جَهْلِهِمْ سَدِيدًا ... وَاللَّهِ ما فيك من سداد
وَهَذَا كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَدْحِ مَا يَكُونُ ذما موجبا لسقوط الْمَمْدُوحِ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُمْدَحُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَتُطَالِبُهُ النُّفُوسُ بِمَا مُدِحَ بِهِ، وَتَظُنُّهُ عنده، فلا تجده كذلك فينقلب ذما، ولو ترك لغير مدح لم تحصل تلك المفسدة، وأمر آخر وهو اعتقاد المسمى أنه كذلك، فيقع في تزكية نفسه كما نهى أن تسمى برة، فعلى هذا تكره التسمية بالرشيد والمطيع والطائع وأمثال ذلك. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ منه ولا دعاؤهم بشيء من ذلك. وأما الكنية، فهي نوع تكريم، وَكَنَّى النَّبِيُّ ﷺ صهيبا بأبي يحيى، وعليا بأبي تراب، وكنى أخا أنس وهو صغير بأبي عمير، وكان هديه تَكْنِيَةُ مَنْ لَهُ وَلَدٌ، وَمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كنية إلا الكنية بأبي القاسم، فاختلف فيه، فقيل: لا يجوز مطلقا، وقيل: لا يجوز الجمع بينها وبين اسمه، وفيه حديث صححه الترمذي، وقيل: يجوز الجمع بينهما؛ لحديث علي: «إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم»، صححه الترمذي. وقيل: المنع منه مختص بحياته. والصواب أن التكني بِكُنْيَتِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَالْمَنْعُ فِي حَيَاتِهِ أَشَدُّ، والجمع بينهما ممنوع منه، وحديث علي فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِيهِ نَوْعُ تَسَاهُلٍ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدْ قَالَ علي: إِنَّهَا رُخْصَةٌ لَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمَنْعِ لِمَنْ
1 / 71