علي بِنَحْرِ الْبَاقِي مِنَ الْمِائَةِ كَمَا قَالَ جابر، والله أعلم.
ولم ينقل أحد أنه ﷺ، وَلَا أَصْحَابَهُ جَمَعُوا بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ، بَلْ كَانَ هَدْيُهُمْ هُوَ ضحاياهم، فَهُوَ هَدْيٌ بِمِنًى، وَأُضْحِيَةٌ بِغَيْرِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ عائشة: «ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ،» فَهُوَ هَدْيٌ أطلق عليه اسم الأضحية، فإنهن كن متمتعات، وعليهن الهدي، وهو الذي نحره عنهن، لكن فِي قِصَّةِ نَحْرِ الْبَقَرَةِ عَنْهُنَّ وَهُنَّ تِسْعٌ إِشْكَالٌ وَهُوَ: إِجْزَاءُ الْبَقَرَةِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سبعة، وهذا الحديث جاء بثلاثة ألفاظ.
أحدها: بقرة واحدة بينهن. الثاني: أنه ضحى عنهن يومئذ بالبقر. الثالث: دَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَزْوَاجِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي عَدَدِ مَنْ تُجْزِئُ عَنْهُمُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ، فقيل: سبعة، وقيل: عشرة. وهو قول إسحاق، ثم ذكر أحاديث، ثم قال: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ إِمَّا أَنْ يُقَالَ ; أَحَادِيثُ السَّبْعَةِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: عَدْلُ الْبَعِيرِ بِعَشَرَةٍ مِنَ الغنم في الغنائم، لأجل تعديل القسمة، وأما في الهدايا والضحايا، فهو تقدير شرعي، وإما أن يقال: ذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والإبل والله أعلم.
ونحر ﷺ بِمَنْحَرِهِ بِمِنًى وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ «مِنًى كُلَّهَا مَنْحَرٌ» وَأَنَّ «فِجَاجَ مَكَّةَ طريق ومنحر» وفيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمِنًى، بَلْ حَيْثُ نَحَرَ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ، لقوله: «وقفت ههنا وعرفة كلها موقف» وسئل أن يبنى له بمنى مظلة مِنَ الْحَرِّ، فَقَالَ: «لَا مِنًى مُنَاخُ مَنْ سبق» وفيه دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَأَنَّ مَنْ سبق إلى مكان، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهُ، وَلَا يملك بذلك.
فلما أكمل نحره، استدعى بالحلاق، فحلق رأسه، وقال: «يا معمر أمكنك رسول الله مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ، وَفِي يَدِكَ الْمُوسَى، فَقَالَ: أما والله يا رسول الله إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ وَمَنِّهِ قال: أجل» ذكره أحمد وقال له: " خذ " وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم قسمه بين من يليه، ثم أشار إليه، فحلق الأيسر، ثم قال: " ههنا أبو طلحة؟ " فدفعه إليه.
ودعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا، وللمقصرين مرة، وهو دليل على أن الحلق نسك ليس بإطلاق من محصور.
1 / 62