الاعتكاف عَكْسُ مَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكَفِ موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، فهذا لون، والاعتكاف المحمدي لون.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ في حجه وعمرته]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ في حجه وعمرته اعْتَمَرَ ﷺ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنُّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
الْأُولَى: عمرة الحديبية سَنَةَ سِتٍّ، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ وحلق حيث صد هو وأصحابه وحلوا. الثانية: عمرة القضية في العام المقبل دخلها، فأقام بها ثلاثا، ثم خرج. الثالثة: عمرته التي قرنها مع حجته. الرابعة: عمرته من الجعرانة، وَلَمْ يَكُنْ فِي عُمَرِهِ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ خَارِجًا من مكة، كما يفعله كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عُمَرُهُ كُلُّهَا دَاخِلًا إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ أَقَامَ بَعْدَ الوحي بمكة ثلاث عشر سَنَةً لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ خَارِجًا من مكة، ولم يفعله أحد على عهده قط إلا عائشة، لأنها أهلت بالعمرة، فحاضت فأمرها فقرنت، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد وقع عن حجها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن ترجع صواحبها بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مُسْتَقِلَّيْنِ، فَإِنَّهُنَّ كُنَّ مُتَمَتِّعَاتٍ، وَلَمْ يَحِضْنَ، وَلَمْ يَقْرِنَّ، وَتَرْجِعُ هِيَ بِعُمْرَةٍ فِي ضِمْنِ حَجَّتِهَا، فَأَمَرَ أَخَاهَا أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنَ التنعيم تطييبا لقلبها، وكانت عمره كلها في أشهر الحج مخالفا لهدي المشركين فإنهم يكرهون العمرة فيها، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي رَجَبٍ بِلَا شَكٍّ، وأما في رمضان، فموضع نظر، وقد صح عنه «أن عمرة في رمضان تعدل حجة» (١) وقد يقال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَشْتَغِلُ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْعِبَادَاتِ بِمَا هُوَ أهم من العمرة مَعَ مَا فِي تَرْكِ ذَلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لأمته، فإنه لو فعل لبادرت الأمة إلى ذلك، فكان يشق عليها الجمع بين العمرة والصوم، وكان يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنَ الْعَمَلِ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يعمله خشية المشقة عليهم. ولم يحفظ عنه أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ ﷺ لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة سنة عشر، ولما نزل فرض الحج، بادر إليه رسول
_________
(١) متفق عليه.
1 / 52