الشيء، فيرد أكثر منه، ويقبل الهدية، ويكافئ عليها بأكثر منها، تلطفا وتنوعا في ضروب الإحسان بكل ممكن، وكان إحسانه بِمَا يَمْلِكُهُ وَبِحَالِهِ وَبِقَوْلِهِ، فَيُخْرِجُ مَا عِنْدَهُ، ويأمر بالصدقة، ويحض عليها، فإذا رآه البخيل، دعاه حاله إلى البذل.
وكان من خالطه لا يملك نفسه عن السماحة، ولذلك كان أشرح الخلق صدرا، وأطيبهم نفسا، فإن للصدقة والمعروف تأثرا عجيبا في شرح الصدر، فانضاف ذَلِكَ إِلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ شرح صدره بالرسالة وَخَصَائِصِهَا وَتَوَابِعِهَا، وَشَرْحِ صَدْرِهِ حِسًّا، وَإِخْرَاجِ حَظِّ الشيطان منه.
وأعظم أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ التَّوْحِيدُ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزُّمَرِ: ٢٢] (١) . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] (٢) .
ومنها النور الذي يقذفه الله في القلب، وهو نور الإيمان، وفي الترمذي مرفوعا «إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح» الحديث.
ومنها العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه، وليس هذا لكل علم، بل للموروث عن الرسول ﷺ.
ومنها الإنابة إلى الله، ومحبته بكل القلب، والمحبة تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَطِيبِ النَّفْسِ، وكلما كانت المحبة أقوى، كان الصدر أشرح، ولا يضيق إلا عند روية البطالين.
ومنها دوام الذكر، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر.
وَمِنْهَا الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ، وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ، وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ.
ومنها الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر.
وأما سرور الروح ولذتها، فَمُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ جَبَانٍ، كَمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ بَخِيلٍ، وَعَلَى كُلِّ مُعْرِضٍ عَنِ الله، غافل عن ذكره، جاهل به وبدينه، متعلق القلب بغيره، وَلَا عِبْرَةَ بِانْشِرَاحِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ، وَلَا بِضِيقِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ، فَإِنَّ الْعَوَارِضَ تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَامَتْ بِالْقَلْبِ تُوجِبُ انْشِرَاحَهُ وَحَبْسَهُ، فَهِيَ الْمِيزَانُ.
ومنها بل من أعظمها
_________
(١) ٢٢ الزمر.
(٢) ١٢٥ الأنعام.
1 / 46