من فعله الراتب، كالتفاته إلى الشعب الذي بعث إليه الطليعة (١) والله أعلم. وكان يدعو بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ فِي حديث أبي هريرة وحديث فضالة.
وأما الدعاء بعد السلام مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوِ الْمَأْمُومِينَ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ من هديه أصلا وَعَامَّةُ الْأَدْعِيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَاةِ إِنَّمَا فَعَلَهَا فِيهَا وَأَمَرَ بِهَا فِيهَا. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ المصلي، فإنه مقبل على ربه، فإذا سلم زال ذلك. ثُمَّ كَانَ ﷺ «يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يساره كذلك»، هذا كان فعله الراتب، وروي عنه أنه كان يسلم تسليمة واحدة من تلقاء وجهه، لكن لم يثبت، وأجود ما فيه حديث عائشة وهو في " السنن "، لكنه في قيام الليل، وهو حديث معلول، على أنه لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ.
وكان يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» وَكَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي داري، وبارك لي في ما رَزَقْتَنِي» وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، وأسألك لسانا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تعلم»
والمحفوظ في أدعيته كلها في الصلاة بلفظ الإفراد.
«وكان إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ»، ذَكَرَهُ أحمد، «وَكَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ»، وقد جعل الله قرة عينه ونعيمه في الصلاة، فكان يقول: «يا بلال أرحنا بالصلاة» ولم يشغله ذلك عن مراعاة المأمومين مع كمال حضور قلبه.
«وَكَانَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُهَا مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ على أمه»، وَكَذَلِكَ «كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَهُوَ حَامِلٌ أمامة بنت ابنته عَلَى عَاتِقِهِ، إِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا رَكَعَ وسجد وضعها»، «وكان يصلي فيجيء الحسن والحسين فيركبان على ظَهْرَهُ، فَيُطِيلُ السَّجْدَةَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَنْ ظهره»، «وكان يصلي فتجيء عائشة فيمشي، فيفتح لها الباب، ثم يرجع
_________
(١) وكان ذلك في صلاة الصبح، وقد أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ.
1 / 19