مختصر زاد المعاد
مختصر زاد المعاد
خپرندوی
دار الريان للتراث
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
د خپرونکي ځای
القاهرة
الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَأَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ، والناس يتبعونه يسمعون صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَاهَا.
قالت أسماء: فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَّ وَجْهَهُ إلى المدينة.
[فصل في قدوم النبي الْمَدِينَةِ]
فَصْلٌ وَبَلَغَ الْأَنْصَارَ مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ من مكة، فكانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه، فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عشر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر من نبوته خرجوا على عادتهم، فلما حميت الشَّمْسِ رَجَعُوا، وَصَعِدَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ لِبَعْضِ شَأْنِهِ، فَرَأَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا صَاحِبُكُمْ قَدْ جَاءَ، هذا جدكم الذي تنتظرون. فثار الأنصار إلى السلاح ليتلقوه، وسمعت الوجبة وَالتَّكْبِيرُ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا بِقُدُومِهِ، وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، فَتَلَقَّوْهُ وَحَيَّوْهُ بتحية النبوة، وأحدقوا بِهِ مُطِيفِينَ حَوْلَهُ، وَالسَّكِينَةُ تَغْشَاهُ، وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التَّحْرِيمِ: ٤] (١) .
فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ وَقِيلَ: عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَالْأَوَّلُ أثبت، فأقام فيهم أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأَسَّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَكِبَ بِأَمْرِ اللَّهِ لَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَجَمَعَ بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ رَكِبَ فَأَخَذُوا بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ: هَلُمَّ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَالْمَنَعَةِ، فَقَالَ: «خَلُّوا سَبِيلَهَا فإنها مأمورة»، فلم تزل سَائِرَةً بِهِ لَا تَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا رَغِبُوا إِلَيْهِ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ»، فَسَارَتْ حَتَّى وَصَلَتْ موضع مسجده اليوم فبركت وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا حَتَّى نَهَضَتْ، وَسَارَتْ قَلِيلًا، ثم التفتت ورجعت في موضعها الأول فبركت، فَنَزَلَ عَنْهَا وَذَلِكَ فِي بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِهِ.
وكان من توفيق
_________
(١) سورة التحريم، الآية: ٤.
1 / 114