ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن فضائل أهل البيت وما روى في إمامة الأمير متفق عليه عند الفريقين، بخلاف فضائل الخلفاء الثلاثة فهي مختلف فيها، فينبغي للعاقل أن يختار ما اتفق عليه بموجب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». (١)
والجواب أن شبهتهم هذه كشبهة اليهود والنصارى في قولهم: إن نبوة موسى وعيسى متفق عليها عند الفريقين، بخلاف نبوة محمد ﷺ. والذى يزيل هذه الشبهة هو أن الأخذ بالمتفق عليه وترك المختلف فيه إنما يكون بمقتضى العقل لو لم يوجد دليل آخر، فإن وجد فلا التفات للاتفاق والاختلاف. على أن هذه الشبهة تتقلب عليه ويعود وبالها وبلاؤها على رءوسهم، كيف لا وقد تقرر عندهم من القواعد أن الروايتين عن الأئمة إن وافقت أحداهما العامة دون الأخرى فالتمسك إنما هو بالمخالفة ولو كانت ضعيفة، وهذا مصرح به في أصولهم. (٢)
ومن مكائدهم أنهم ينسبون إلى الأمير من الروايات ما هو برئ منه ويحرفون ما ورد عنه، فمن ذلك (نهج البلاغة) الذي ألفه الرضي (٣) وقيل أخوه المرتضى، (٤) فقد وقع فيه تحريف كثير وأسقط كثير من العبارات حتى لا يكون به متمسك لأهل السنة، مع أن ذلك أمر ظاهر، بل مثل الشمس زاهر.
ومن مكائدهم أنهم ينظمون بعض الأبيات على لسان اليهود أو النصارى مما يؤذن تحقيقه مذهب التشيع، فمن ذلك ما ينسبونه إلى ابن فضلون اليهودي:
على أمير المؤمنين عزيمة ... وما لسواه في الخلافة مطمع
له النسب العايى وإسلامه الذي ... تقدم، بل فيه الفضائل أجمع
ولو كنت أهوى ملة غير ملتي ... لما كنت إلا مسلما أتشيع (٥)
وكذا ينسبون إليه هذه الأبيات:
حب علي في الورى جنة ... فامحُ بها يا رب أوزاري
لو أن ذميا نوى حبه ... حُصن في النار من النار (٦)
إلى غير ذلك، وسيجئ منه إن شاء الله في آخر الكتاب.
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن الشيعة أمنون من عذاب يوم القيامة ودخول النار
_________
(١) أخرج الحديث أحمد والنسائي والحاكم
(٢) روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله ﵇ قال: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فذروه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله، فاعرضوهما على أخبار العامة [أهل السنة]، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه». المفيد، جوابات أهل الموصل: ص ٤٧؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ٢٧/ ١١٨.
(٣) هو محمد بن الحسين بن موسى العلوي، المشهور بالشريف الرضي، ولد وتوفي ببغداد، قال عنه ابن حجر: «كان مشهورا بالرفض»، وإليه ينسب تأليف كتاب نهج البلاغة العاري من الأسانيد، مات في سنة ٤٠٦هـ. تاريخ بغداد: ٢/ ٢٤٦؛ لسان الميزان: ٥/ ١٤١.
(٤) هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد العلوي الشريف المرتضى، المتكلم الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، عاش في بغداد، توفي سنة ٤٣٦هـ. تاريخ بغداد: ١١/ ٤٠٢؛ لسان الميزان: ٤/ ٢٢٣
(٥) نسب الأبيات ابن شهر آشوب المازندراني إلى بعض النصارى في كتابه مناقب آل أبي طالب: ٢/ ٢٧؛ وأخرجها ابن طاووس في الطرائف: ٢/ ٥٥٥.
(٦) ومن كذبهم أن المازندراني نسب هذه الأبيات إلى الإمام أحمد في فضائل الصحابة والديلمي في مسند الفردوس قال: قال: عمر بن الخطاب قال النبي ﷺ: «حب علي براءة من النار وأنشد ...». ثم أورد هذه الأبيات في كتابه مناقب آل أبي طالب: ٣/ ٩؛ وأوردها أيضا البيضاني في الصراط المستقيم: ٢/ ٥٠ وعنهما المجلسي في بحار الأنوار: ٣٩/ ٣٥٨ وليست في كتب السنة التي زعموا ..
1 / 36