للعذاب. (١) وأما العطف فكقوله تعالى: ﴿وَحُورٍ عِينٍ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُونِ﴾ على قراءة حمزة والكسائي، فإنه مجرور بمجاورة: ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ﴾ مع أنه معطوف على: ﴿ولدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾. (٢) وقد وقع هذا الجر في كلام العرب العرباء أيضا، فمن ذلك قول النابغة: (٣)
لم يَبقَ غير أسير (٤) غَيرِ مُنْفَلِتٍ ... ومُوثَق في حِبالِ القِدّ مَكبولِ
بجر (موثق) و(مكبول) بجوار (منفلت) مع أنهما معطوفان على أسير، فلا يلتفت إلى إنكار الزجاج وقوع جر الجوار في المعطوف. (٥)
وقد ذكر الشيعة في الجمع بين القراءتين وجهين أيضا: الأول أن تعطف قراءة النصب على محل رؤوسكم لا على المنصوب السابق لاستلزامه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية، فحينئذ حكم الأرجل حكم الرؤوس المعطوف عليه في المسح، الثاني أن الوارد فيه بمعنى مع، كقولهم «استوى الماء والخشبة». (٦)
هذا وفي كلا الوجهين نظر من وجوه: أما الأول فلأن العطف على المحل خلاف الظاهر بإجماع الفريقين، وإن استدلوا على خلاف الظاهر بقراءة الجر فقد سبق وجه رجوعها إلى قراءة النصب، على أنها لا تدل على مدعاهم لوجود احتمال جر الجوار، وأما ثانيا فلأن استلزام الفصل بجملة أجنبية إنما يخل إذا لم تكن جملة ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ لها تعلق بما قبلها. وأما إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل (برءوسكم)، فلا فصل كما هو مذهب أكثر أهل السنة من جواز المسح ببقية الغسل، ومع ذلك فلم يذهب أحد من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفين، بل نقل أبو البقاء إجماع النحاة على جوازه. نعم توسيط الأجنبي في كلام البلغاء لا بد أن يكون لنكتة، وفائدة النكتة ههنا التنبيه على أنه لا ينبغي أن يقتصد في صب الماء على الأرجل وتغسل غسلا يقرب من المسح، وتخصيصها بالتنبيه لكونها مظنة للإسراف، وللإيماء إلى وجوب الترتيب. وأما ثالثا فلأنه لو عطف (وأرجلكم) على محل (برءوسكم)، جاز لنا أن نفهم منه معنى الغسل؛ لأن من القواعد المقررة في العربية أنه إذا اجتمع فعلان متقاربان بحسب المعنى جاز حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة العامري:
_________
(١) ينظر تفسير الطبري: ٢٥/ ٩٤؛ روح المعاني: ٢٥/ ٩٧.
(٢) ينظر النحاس، إعراب القرآن: ٣/ ٣٢٤؛ البنا، إتحاف فضلاء البشر: ص ٤٠٧.
(٣) شاعر جاهلي
(٤) في الأصل غير طريد. ينظر ديوان النابغة
(٥) قال: «وإنكار الزجاج الجر بالمجاور في غير النعت، ومع العطف لا معتبر له أن ثبت بعد أن أثبته من هو أعلى كعبا منه، ومن لا يشق الزجاج غباره كسيبويه والأخفش ووافقهما جماهير أهل العربية، وورد في كلام البلغاء مع أن شهادة الزجاج لو ثبتت نفي، وشهادة جمهور أئمة العربية إثبات، وهي مقبولة، وشهادة النفي غير مقبولة، ودعوى قلة وقوعها في كلام العرب باطل، كيف وقد نص أبو البقاء وجمع من أئمة العربية على وروده في النظم والنثر كثيرا». السيوف المشرقة
(٦) قرره عبد الله التستري في نهاية الإقدام: ص ٤٢٧.
1 / 26