مختصر تفسیر ابن کثیر
مختصر تفسير ابن كثير
خپرندوی
دار القرآن الكريم
د ایډیشن شمېره
السابعة
د چاپ کال
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
د خپرونکي ځای
بيروت - لبنان
ژانرونه
- ١١٤ - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ مِنَ الَّذِينَ مَنَعُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ وَسَعَوْا فِي خَرَابِهَا على قولين: أحدهما: هُمُ النُّصَّارَى كَانُوا يَطْرَحُونَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ويمنعون الناس أن يصلوا فيه. قال قتادة: أُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ النَّصَارَى حَمَلَهُمْ بُغْضُ الْيَهُودِ عَلَى أَنْ أَعَانُوا بُخْتَنَصَّرَ الْبَابِلِيَّ الْمَجُوسِيَّ عَلَى تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ السُّدي: كَانُوا ظَاهَرُوا بُخْتَنَصَّرَ عَلَى خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى خَرَّبَهُ وأمر أن يطرح فِيهِ الْجِيَفُ، وَإِنَّمَا أَعَانَهُ الرُّومُ عَلَى خَرَابِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا يَحْيَى بن زكريا. (القول الثاني): ما رواه ابن جرير عن ابن زيد قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ حَالُوا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ حَتَّى نَحَرَ هَدْيَهُ بِذِي طُوَى وَهَادَنَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «مَا كَانَ أَحَدٌ يَصُدُّ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى قَاتِلَ أَبِيهِ وَأَخِيهِ فَلَا يَصُدُّهُ» فَقَالُوا: لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا مَنْ قَتَلَ آبَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَفِينَا بَاقٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ﴾ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قُرَيْشًا مَنَعُوا النَّبِيَّ ﷺ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ ثُمَّ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَسْعَ فِي خَرَابِ الْكَعْبَةِ، وَأَمَّا الرُّومُ فَسَعَوْا فِي تَخْرِيبِ بَيْتِ المقدس. (قلت): والذي يَظْهَرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ ابن زيد فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَجَّهَ الذَّمَّ فِي حَقِّ اليهود والنصارى، شرع في ذم المشركين الذي أَخْرَجُوا الرَّسُولَ ﷺ وَأَصْحَابَهِ مِنْ مَكَّةَ وَمَنَعُوهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا اعْتِمَادُهُ عَلَى أَنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَسْعَ فِي خَرَابِ الْكَعْبَةِ، فَأَيُّ خَرَابٍ أَعْظَمُ مِمَّا فَعَلُوا؟ أَخْرَجُوا عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ وَاسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا بِأَصْنَامِهِمْ وَأَنْدَادِهِمْ وَشِرْكِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الحرام﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عِمَارَتِهَا زَخْرَفَتَهَا وَإِقَامَةَ صُورَتِهَا فقط، إنما عمارتها بذكر الله فيها وفي إقامة شَرْعِهِ فِيهَا، وَرَفْعِهَا عَنِ الدَّنَسِ وَالشَّرَكِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾ هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ أَيْ لَا تُمَكِّنُوا هَؤُلَاءِ إِذَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ دُخُولِهَا إِلَّا تَحْتَ الْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ، وَلِهَذَا لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ أَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فِي سَنَةِ تسع أن ينادي برحاب مِنى: «ألا يحجنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يطوفنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَجْلٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مدته»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ يَنبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ إِلَّا خَائِفِينَ عَلَى حَالِ التهيب وارتعاد الفرائض مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْطِشُوا بِهِمْ، فَضْلًا أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَيَمْنَعُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا. وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ الْحَقُّ وَالْوَاجِبُ إِلَّا ذَلِكَ لَوْلَا ظُلْمُ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ سَيُظْهِرُهُمْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ يُذِلُّ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا يَخَافُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيُعَاقَبَ أَوْ يُقْتَلَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَقَدْ أَنْجَزَ اللَّهُ هَذَا الْوَعْدَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا يَبْقَى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلى الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا تَشْرِيفُ أَكْنَافِ ⦗١١٠⦘ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَطْهِيرُ البقعة التِي بَعَثَ اللَّهُ فِيهَا رَسُولَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْخِزْيُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَكَمَا صَدُّوا الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صُدُّوا عَنْهُ، وَكَمَا أَجْلَوْهُمْ من مكة أُجلوا عنها ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ عَلَى مَا انْتَهَكُوا مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْتِ، وَامْتَهَنُوهُ مِنْ نَصْبِ الأصنام حوله، ودعاء غَيْرِ اللَّهِ عِنْدَهُ، وَالطَّوَافِ بِهِ عُرْيًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفَاعِيلِهِمُ التِي يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَالَ (كَعْبُ الْأَحْبَارِ) إِنَّ النَّصَارَى لَمَّا ظَهَرُوا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَّبُوهُ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾ الْآيَةَ فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ يَدْخُلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَّا خائفًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَدْخُلُونَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا مُسَارَقَةً.
1 / 109