122

Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

خپرندوی

دار السلام للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٦هـ

د خپرونکي ځای

الرياض

ژانرونه

الْمُحْكَمُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الذِّكْرُ الْحَكِيمُ: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، وَقِيلَ: مِنَ الْآيَاتِ أَيِ من الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ لِأَنَّهَا أَخْبَارٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا قَارِئُ كتاب الله أَوْ مَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَنْتَ أمي لا تقرأ.
[٥٩] ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩] الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَا لَكَ تَشْتُمُ صَاحِبَنَا، قَالَ: وَمَا أَقُولُ؟ قَالُوا: تَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: " أَجَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ "، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: هَلْ رَأَيْتَ إِنْسَانًا قَطُّ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٩] فِي كَوْنِهِ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أب ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩] لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ﴾ [آل عمران: ٥٩] يَعْنِي: لِعِيسَى ﵇، ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] يَعْنِي: فَكَانَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] خلقًا، وَلَا تَكْوِينَ بَعْدَ الْخَلْقِ، قِيلَ: معناه خَلَقَهُ ثُمَّ أَخْبَرَكُمْ أَنِّي قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِي الْخَلْقِ كَمَا يَكُونُ فِي الْوِلَادَةِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ: أَعْطَيْتُكَ الْيَوْمَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَعْطَيْتُكَ أَمْسِ دِرْهَمًا أَيْ: ثُمَّ أُخْبِرُكَ أَنِّي أَعْطَيْتُكَ أَمْسِ دِرْهَمًا، وَفِيمَا سَبَقَ مِنَ التَّمْثِيلِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِنَوْعِ شَبَهٍ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَ عِيسَى إِلَى آدَمَ ﵈ بِنَوْعِ شَبَهٍ.
[٦٠] قَوْلُهُ تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [آل عمران: ٦٠] أَيْ: هُوَ الْحَقُّ، وَقِيلَ: جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] أي: الشاكين، الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، والمراد أمته.
[٦١] قَوْلُهُ ﷿: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٦١] أي: جادلك في أمر عيسى وفي الْحَقِّ، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٦١] بِأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا﴾ [آل عمران: ٦١] أصله تَعَالَيُوا تَفَاعَلُوا مِنَ الْعُلُوِّ فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَحُذِفَتْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: بِمَعْنَى تَعَالٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ ارتفع، ﴿نَدْعُ﴾ [آل عمران: ٦١] جُزِمَ لِجَوَابِ الْأَمْرِ، وَعَلَامَةُ الْجَزْمِ سُقُوطُ الْوَاوِ، ﴿أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦١] قيل: أبناءنا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَنِسَاءَنَا فَاطِمَةَ وَأَنْفُسَنَا عَنَى نَفْسَهُ وَعَلِيًّا ﵁، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي ابْنَ عَمِّ الرَّجُلِ نَفْسَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الْحُجُرَاتِ: ١١] يُرِيدُ إِخْوَانَكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى العموم لجماعة أهل الدين، ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٦١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: أَيْ نَتَضَرَّعُ فِي الدُّعَاءِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَجْتَهِدُ وَنُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وأبو عبيدة: نَبْتَهِلْ، وَالِابْتِهَالُ الِالْتِعَانُ، يُقَالُ عَلَيْهِ بَهْلَةُ الله، أي: لعنته ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي أَمْرِ عِيسَى.
[٦٢] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: ٦٢] النَّبَأُ الْحَقُّ، ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٦٢] وَ(مِنْ) صِلَةٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ٦٢]
[٦٣] ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [آل عمران: ٦٣] أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ [آل عمران: ٦٣] الَّذِينَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ] سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. . . .
[٦٤] ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ﴾ [آل عمران: ٦٤] وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ قِصَّةٍ لَهَا شَرْحٌ (كَلِمَةً) وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَصِيدَةُ (كلمة) ﴿سَوَاءٍ﴾ [آل عمران: ٦٤] عدل ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] مُسْتَوِيَةٍ أَيْ أَمْرٍ مُسْتَوٍ، يُقَالُ دَعَا فَلَانَ إِلَى السَّوَاءِ، أَيْ إِلَى النَّصَفَةِ، وَسَوَاءُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٥٥] وَإِنَّمَا قيل: للنصفة سواء؛ لأن أعدل الأمور أفضلها وأوسطها، سواء نَعْتٌ لِكَلِمَةٍ إِلَّا أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ ولا يؤنث فَإِذَا فَتَحْتَ السِّينَ مَدَدْتَ، وَإِذَا كسرت أو ضمت قَصَرْتَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] ثُمَّ فَسَّرَ الْكَلِمَةَ فَقَالَ. ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [آل عمران: ٦٤] وَمَحَلُّ (أَنْ) رَفْعٌ عَلَى إِضْمَارِ

1 / 130