Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
خپرندوی
دار السلام للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٦هـ
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
بِالْجَنَّةِ وَنَجَوْا مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُ الْفَلَاحُ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ، أَيْ بَاقُونَ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَأَصْلُ الْفَلَاحِ: القطع والشق، ومنه سمي الزارع: فلاحًا لأنه يشق الأرض، فهم المقطوع لَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ] أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
[٦] قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٦] يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْيَهُودَ، وَالْكُفْرُ هُوَ الْجُحُودُ، وأصله: من السَّتْرُ وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْأَشْيَاءَ بِظُلْمَتِهِ، وَسُمِّي الزارع كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ بِالتُّرَابِ، فالكافر يَسْتُرُ الْحَقَّ بِجُحُودِهِ، وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: كُفْرُ إِنْكَارٍ، وَكُفْرُ جَحُودٍ، وَكُفْرُ عِنَادٍ، وَكُفْرُ نِفَاقٍ، فكفر الإنكار هو أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ أَصْلًا ولا يعترف به، وكفر بِهِ، وَكُفْرُ الْجَحُودِ هُوَ أَنْ يعرف الله بقلبه ولا يعترف بِلِسَانِهِ كَكُفْرِ إِبْلِيسَ وَكُفْرِ الْيَهُودِ، وَكُفْرُ الْعِنَادِ هُوَ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَيَعْتَرِفَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَدِينُ بِهِ كَكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا كُفْرُ النِّفَاقِ فَهُوَ أَنَّ يُقِرَّ بِاللِّسَانِ وَلَا يَعْتَقِدَ بِالْقَلْبِ.
وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُغْفَرُ لَهُ.
قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: ٦] متساو لديهم ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦] خَوَّفْتَهُمْ وَحَذَّرْتَهُمْ، وَالْإِنْذَارُ: إِعْلَامٌ مَعَ تخويف وتحذير، فكل مُنْذِرٍ مُعَلِّمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُعَلِّمٍ منذرًا. ﴿أَمْ﴾ [البقرة: ٦] حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، ﴿لَمْ﴾ [البقرة: ٦] حرف جزم لا يلي إِلَّا الْفِعْلَ، لِأَنَّ الْجَزْمَ يَخْتَصُّ بالأفعال. ﴿تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦] وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي أَقْوَامٍ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشَّقَاوَةِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ فَقَالَ:
[٧] ﴿خَتَمَ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٧] أي: طبع الله ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] فَلَا تَعِي خَيْرًا وَلَا تَفْهَمُهُ، وَحَقِيقَةُ الْخَتْمِ: الِاسْتِيثَاقُ مِنَ الشَّيْءِ كَيْلَا يَدْخُلَهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجَ عَنْهُ مَا فِيهِ، وَمِنْهُ الْخَتْمُ عَلَى الْبَابِ، قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: أَيْ حَكَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالْكُفْرِ لِمَا سَبَقَ مِنْ علمه الأول فِيهِمْ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِهَا، ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ سَمْعِهِمْ فَلَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَرَادَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ كَمَا قَالَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يجمع. ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة: ٧] هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، غِشَاوَةٌ أَيْ: غطاء فلا يرون الحق.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٧] أَيْ: فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ الدَّائِمُ فِي الْعُقْبَى، وَالْعَذَابُ: كُلُّ مَا يَعْنِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَذَابُ مَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَنْ مُرَادِهِ، وَمِنْهُ الْمَاءُ الْعَذْبُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَطَشَ.
[٨] قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٨] نزلت في المنافقين وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّاسُ:
1 / 18