(مَا جَاءَ فِي الْأَمر بالتداوي والعلاج)
قَالَ عبد الْملك بن حبيب:
حَدثنِي مطرّف بن عبد الله عَن مَالك بن أنس عَن زيد بن أسلم أَن رجلا فِي زمَان رَسُول الله [ﷺ] جرح فاحتقن الْجرْح بِالدَّمِ وَأَن الرجل دَعَا برجلَيْن من بني أَنْمَار فَنَظَرا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهما رَسُول الله [ﷺ]: " أيكما، أطبّ؟ ".
فَقَالَا: أَفِي الطبّ خير، يَا رَسُول الله؟ [ﷺ]: " أنزل الدَّوَاء الَّذِي أنزل الدَّاء ". فَأَمرهمَا رَسُول الله [ﷺ] يومئذٍ بمداواته فبطَّا الْجرْح وغسلاه ثمَّ خاطاه.
وَعَن زيد بن أسلم أَن رجلا أَتَى الى رَسُول الله [ﷺ] وَقد نصل فِي بَطْنه نصل فَدَعَا رَسُول الله [ﷺ] رجلَيْنِ من الْعَرَب كَانَا متطببين فَقَالَ لَهما: " يكما، أطبّ؟ ".
فَقَالَا: أَفِي الطِّبّ خير، يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ رَسُول الله [ﷺ]: أنزل [الدَّوَاء] ٨ الَّذِي ابتلى بالداء ".
فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا أطبّ الرجلَيْن يَا رَسُول الله. فَأمره رَسُول الله [ﷺ] بمداواته. فبطّ بَطْنه واستخرج النصل ثمَّ خاطه.
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " تداوا فَإِن الله لم يخلق دَاء إِلَّا خلق لَهُ
1 / 9
شِفَاء علّة من عِلّة وجهله من جَهله إِلَّا دائين ". قيل: وَمَا هما يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " الْبرم وَالْمَوْت وَمثله ".
عَن أُسَامَة بن زيد وَابْن مَسْعُود عَن رَسُول الله [ﷺ] وَحدث الخزامي سندًا أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " إِن الله بثّ الدَّاء وبثّ الدَّوَاء وَجعل لكل دَاء دَوَاء من الشّجر وَالْعَسَل فتداوا ".
وَعَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " لكل دَاء دَوَاء فَإِذا أصَاب دَوَاء الدَّاء] برِئ [بِإِذن الله ". وَعَن قَتَادَة أَنه قَالَ: " أنزل الله ألف دَاء وَأنزل ألف دَوَاء ".
وَرُوِيَ عَن ابراهيم خَلِيل الرَّحْمَن ﵇ قَالَ: يَا ربّ مِمَّن الدَّاء؟ قَالَ: منّي. قَالَ: مِمَّن الشِّفَاء؟ قَالَ: مني. قَالَ: فَمَا بَال الطَّبِيب؟ قَالَ: معالج على يَدَيْهِ الشِّفَاء.
وَعَن ابراهيم التَّيْمِيّ أَن رجلا أَتَى إِلَى رَسُول الله [ﷺ] فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " من أَنْت؟ ". قَالَ: أَنا طَبِيب. قَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " ولعلك تدبر أَشْيَاء يحرق بهَا غَيْرك ".
وَكَانَ عَن عُثْمَان بن عفّان ﵁ طبيبان [بعث] بِأَحَدِهِمَا إِلَيْهِ مُعَاوِيَة وَالْآخر عبد الله بن ربيعَة.
وَعَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " أَيهَا طَبِيب داوى مُسلما يُرِيد بِهِ وَجه الله لم يَأْخُذ عَلَيْهِ أجرا فصلح على يَدَيْهِ كتب الله إِذا نقل أجره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن أَخذ عَلَيْهِ أجرا فَهُوَ حَظه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ".
1 / 10
وَأسْندَ الخزامى أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يداوى حَتَّى يغلب مَرضه صِحَّته ".
وَأسْندَ أَيْضا عَن ابْن عبّاس قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان النَّبِي كلما صلى الصَّلَاة فقضاها إِذا شَجَرَة قد نبت بَين يَدَيْهِ فَيَقُول: مَا أَنْت؟ فَتَقول: أَنا شَجَرَة كَذَا وَكَذَا أَنْفَع من كَذَا وَكَذَا. فيأمر بهَا فتقطع فتكتب: شَجَرَة كَذَا وَكَذَا تَنْفَع من كَذَا وَكَذَا.
فصلّى يَوْمًا فَرَأى الشَّجَرَة فَقَالَ: مَا أَنْت؟ فَقَالَت: أَنا الخرّوب. قَالَ: [لِمَ] أَنْت؟ قَالَت: لخراب هَذَا الْمَسْجِد. فَقَالَ: مَا كَانَ الله يخرب هَذَا الْمَسْجِد وَأَنا حيّ.
فنحت سُلَيْمَان من تِلْكَ الخرّوبة] عَصا [وَلَقي ملك الْمَوْت فَسَأَلَهُ إِذا [جَاءَت] وَفَاته أَن يُعلمهُ، فلمّا أعلمهُ قَامَ وشدّ ثِيَابه وَأخذ تِلْكَ [الْعَصَا] الَّتِي نحت من الخرّوبة، فتوكأ عَلَيْهَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أغمّ على الجنّ موتِي حَتَّى يعلم الْإِنْس أَنهم كَانُوا لَا يعلمُونَ الْغَيْب.
وَأمر الجنّ فبنت عَلَيْهِ قبّة من قَوَارِير - يَعْنِي الزّجاج - فَقبض فِيهَا وَهُوَ متّكئ على عَصَاهُ والجنّ تعْمل بَين يَدَيْهِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿كل بِنَاء وغواص وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد﴾ [ص: ٣٧ - ٣٨]، وهم يرَوْنَ أَنه حيّ، فَوَقَعت الأرضة فِي [الْعَصَا] فَأَكَلتهَا فِي حول فَسقط حِين ضعفت [الْعَصَا] فَعلم مَوته فَشَكَرت الأرضة الْجِنّ وَالشَّيَاطِين للخرّوب، فَلَا ترَاهَا فِي مَكَان إلاّ رَأَيْته نديًا، وشكرت الأرضة فأينما كَانَت جاءتها الشَّيَاطِين بِالْمَاءِ. قَالَ ابْن عبّاس: وَقدر مَا مِقْدَار أكلهَا [الْعَصَا] فَكَانَ سنة.
1 / 11
(مَا جَاءَ فِي جَوَاز عرض الْبَوْل على الطَّبِيب)
وَعَن عمر بن عُثْمَان قَالَ: رَأَيْت بَوْل عمر بن عبد الْعَزِيز فِي زجاجة عِنْد الطَّبِيب ينظر إِلَيْهِ.
وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن يزِيد مولى الزِّنَاد أَنه قَالَ: رَأَيْت الزُّهْرِيّ وَأَبا الزِّنَاد بالرصافة يريان الطَّبِيب الْبَوْل.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَقد رَأَيْت مَالِكًا وَالثَّوْري يرسلان بالبول إِلَى الطَّبِيب ينظر إِلَيْهِ إِلَّا أَن الثَّوْريّ كَانَ يبْعَث بِهِ إِلَى الْحيرَة.
(مَا جَاءَ فِي حمية الْمَرِيض)
ابْن حبيب قَالَ: سمعتهم يَقُولُونَ عوِّد جسمًا مَا تعوّد، وَخير الطبّ التجربة، وَرَأس الطبّ الحمية.
قَالَ: وَقد حمى رَسُول الله [ﷺ] وَأمر بالحمية عمر بن الْخطاب وَغَيره من الصَّحَابَة.
وَبَلغنِي أَن عمر قَالَ لِلْحَارِثِ بن كلدة: مَا الدَّوَاء؟ قَالَ: الحمية.
وَعَن عَليّ بن أبي ذيب أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " اخلوا على الْحمى " - يَعْنِي احتموا من الطَّعَام - والخلا بِعَيْنِه: الْجُوع.
وروى ابْن حبيب مُسْندًا أَن عليا دخل على رَسُول الله [ﷺ] وَهُوَ حَدِيث عهد بحمى فَأتى رَسُول الله [ﷺ] برطب فَأَرَادَ عَليّ أَن يَقع فِيهِ فَمَنعه رَسُول الله [ﷺ] وَطرح إِلَيْهِ رطبَة رَطِبة فَأكل حَتَّى انْتهى إِلَى سبع رطبات ثمَّ قَالَ: " حَسبك إِنَّك ناقه ".
وَعَن أمّ الْمُنْذر المازنية قَالَت: دخلت على رَسُول الله [ﷺ] وَعلي يأكلان مِنْهَا. قَالَت: فَطَفِقَ رَسُول الله [ﷺ] يَقُول لعَلي: " مهلا إِنَّك ناقه " حَتَّى كفّ، وَقد صنعت
1 / 12
لَهما سلقًا وخبز شعير فلمّا جِئْت بِهِ قَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " من هَذَا فأَصِب فَهُوَ أوفق لَك "، فَأكل من ذَلِك.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: فَهُوَ عندنَا بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ سلق الْأَنْصَار وَهُوَ السرمق.
قَالَ عبد الْملك:
السرمق هُوَ القطف. وَكَانَت عَائِشَة تنْعَت سلق الْأَنْصَار للمحموم وَتقول: هُوَ صَالح، وَكَانَت تَحْمِي الْمَرِيض.
وَسَأَلَ عمر بن الْخطاب ﵁ الْحَارِث بن كلّدة عَن أفضل الطبّ فَقَالَ: الأزم.
قَالَ عبد الْملك: يَعْنِي الحمية حمية الْمَرِيض، والأزم بِعَيْنِه، الْجُوع.
قَالَت بنت سعيد بن أبي وَقاص: كَانَ أبي يحمّ الْمَرِيض وَيَقُول: أحماني الْحَارِث شرب المَاء إِلَّا مَا بدّ مِنْهُ. وَعَن كريب [مولى] ابْن عَبَّاس: اللَّحْم من الْحمى. قَالَ نَافِع: لم يكن ابْن عمر يحتمي فِي مرض.
قَالَ عبد الْملك:
وَمَا علمنَا أحدا يكرّه الحمية غَيره. قد حمى رَسُول الله [ﷺ]، وَحمى عمر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة.
وَعَن صُهَيْب قَالَ: رمدت فَأتى رَسُول الله [ﷺ] بِتَمْر فَجعلت آكل مِنْهُ فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله أَلا ترى صُهَيْب يَأْكُل التَّمْر وَهُوَ أرمد؟
فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا آكل بِثمن عَيْني الصَّحِيحَة. فَضَحِك رَسُول الله [ﷺ] .
(مَا جَاءَ فِي الْحجامَة وَمَا يُرْجَى من نَفعهَا)
وَعَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " مَا مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي على ملك من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا: يَا مُحَمَّد مرْ أمتك بالحجامة ".
1 / 13
وَعنهُ عَن رَسُول الله [ﷺ]، قَالَ " جعل الله الشِّفَاء فِي الْعَسَل وَفِي الْحجامَة واحتجموا فَإِن الدَّم [يتبيَّغ] بالإنسان حَتَّى يقْتله ".
وَعَن نَافِع عَن رَسُول الله [ﷺ]، أَنه يَقُول: " من احْتجم فعلى بركَة الله وَهُوَ على الرِّيق أفضل وتزيد فِي الْحِفْظ وَتذهب البلغم ". وَعَن ابْن عبّاس أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " نِعْمَ الدَّوَاء الْحجامَة تذْهب الدَّاء والصداع وتخفّ الصلب وتجلو الْبَصَر ". وَعَن مَالك أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " إِن كَانَ دَوَاء يبلغ الدَّاء فَإِن الْحجامَة تبلغه ".
وَعنهُ [ﷺ]: " إِن كَانَ فِي شَيْء من الدَّوَاء خير فَهُوَ فِي هَذِه الْحجامَة ".
وَعَن الْحسن أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " اسْتَعِينُوا على شدّة الحرّ بالحجامة ".
وَعَن سلمى خَادِم رَسُول الله [ﷺ] أَنَّهَا قَالَت: مَا سَمِعت أحدا يشكو إِلَى رَسُول الله [ﷺ] وجعًا فِي رَأسه إِلَّا قَالَ لَهُ: " احْتجم "، وَلَا وجعًا فِي رجلَيْهِ إِلَّا قَالَ لَهُ: " أخضبهما بِالْحِنَّاءِ ".
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " الْحجامَة شِفَاء من الْجُنُون والجذام والبرص والأضراس وَالنُّعَاس ".
قيل لرَسُول الله [ﷺ]، على مَا تُعْطِي هَذَا جِلْدك يقطعهُ؟ فَقَالَ [ﷺ]: " هَذِه [هِيَ] الْحجامَة وَإنَّهُ أفضل مَا [يتداوى] بِهِ ".
1 / 14
وَعَن مَكْحُول أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " خمس من سفر الْمُرْسلين: الْحجامَة، والتعطر، والسواك، والحناء، وَكَثْرَة النِّسَاء ".،
وَعَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله [ﷺ]: قَالَ: " نعْمَة الْعَادة القائلة ونعمة الْعَادة الْحجامَة تَنْفَع بِإِذن الله من الصداع ووجع الْأَسْنَان ووجع الْحلق وتخفّ الصلب والصدر ".
قَالَ رَسُول الله [ﷺ]: " جَاءَنِي جِبْرِيل فَأمرنِي بالحجامة وَقَالَ: أَنْفَع دَوَاء يتداوى بِهِ النَّاس ".
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " إِن كَانَ فِي شَيْء مِمَّا تَصْنَعُونَ خير فَفِي نَزعَة حجام ".
وَعنهُ [ﷺ] أَنه قَالَ: " مَا تداوى النَّاس بِمثل الْحجامَة وشربة عسل ". وَقَالَ [ﷺ]: " التمسوا الشِّفَاء فِي ااثنين: فِي شربة الْعَسَل أَو شَرط محجمة ".
قَالَ سعيد بن الْمسيب لحجام: أشرط شرطتين. هَذَا الَّذِي كَانَ الْحَارِث بن كلّدة الثَّقَفِيّ يَأْمر بِهِ.
قَالَ عبد الْملك: يشرط ضربتين بِشَرْط ضَرْبَة، ثمَّ يمصر الدَّم، ثمَّ يشرط ضَرْبَة أُخْرَى.
قَالَ عبد الْملك: إِن عمر بن الْخطاب كَانَ يَأْمر بذلك الَّذِي يحجمه.
(مَا جَاءَ فِي مَوَاضِع الْحجامَة من الرَّأْس والجسد)
وَعَن الْوَاقِدِيّ أَن رَسُول الله [ﷺ] حجمه أَبُو هِنْد [مولى] بني بياضة فِي يافوخ
1 / 15
من أجل الشَّاة المسمومة الَّتِي أكل مِنْهَا يَوْم خَيْبَر قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله [ﷺ] يحتجم الذؤابة كل سنة، وَكَانَ يحتجم تَحت الذؤابة فِي النقرة وَفِي الأخدعين وَفِي الْكَاهِل.
وَاحْتَجَمَ [ﷺ] تَحت كتفه الْيُسْرَى من أجل الشَّاة المسمومة أَيْضا الَّتِي أكل يَوْم خَيْبَر.
وَاحْتَجَمَ بَين وركيه من وجع الصلب وَاحْتَجَمَ فَوق الرّكْبَة من وجع الرّكْبَة وَاحْتَجَمَ وَهُوَ محرم على ظهر الْقدَم من وتي أَصَابَهُ فِي قدمه.
قَالَ عبد الْملك:
فَهَذِهِ [عشرَة] مَوَاضِع احْتجم فِيهَا رَسُول الله [ﷺ] أَرْبَعَة مِنْهَا فِي الرَّأْس، وَسِتَّة فِي الْجَسَد.
فأمّا الْخَمْسَة من هَذِه الْعشْرَة الَّتِي احْتجم فِيهَا رَسُول الله [ﷺ] فَلَيْسَتْ من مَوَاضِع الْحجامَة إِلَّا لعِلَّة.
وَهِي اليافوخ، وَتَحْت الْكَتف، وَبَين الْوَرِكَيْنِ، وَفَوق الرّكْبَة، وعَلى ظهر الْقدَم.
فأمّا اليافوخ وَتَحْت الْكَتف فَإِنَّمَا احْتجم فيهمَا رَسُول الله [ﷺ] من أجل الشَّاة المسمومة الَّتِي أكل مِنْهَا يَوْم خَيْبَر.
وَاحْتَجَمَ على ظهر قدمه وَهُوَ محرم لوتي أَصَابَهُ فِيهَا بطرِيق مكّة، وَاحْتَجَمَ بَين وركيه وَفَوق رُكْبَتَيْهِ من وجع أَصَابَهُ فِيهَا.
قَالَ عبد الْملك:
فأمّا الْخَمْسَة الْمَوَاضِع الْبَاقِيَة من الْعشْرَة فَهِيَ مَوَاضِع حجامة الْعَامَّة على الصِّحَّة وَالْعلَّة. وَثَلَاثَة مِنْهَا فِي الرَّأْس وَهِي: الذؤابة، وَهِي وسط الرَّأْس وَتَحْت الذؤابة وَهِي القمحدوة والنقرة، وَهِي نقرة القفاء والاثنان فِي الْجَسَد الْوَاحِد.
فِي الأخدعين، وهما الزبرتان وهما صفحة الرَّقَبَة من تَحت قصَص شعر القفاء.
1 / 16
وَالْأُخْرَى فِي الْكَاهِل وَهُوَ الْعظم الناتي بَين الْكَتِفَيْنِ تَحت الكعب الَّذِي فَوق الرُّكْبَتَيْنِ فِي مغرز الْعُنُق فِي الْجَسَد.
وَفِي كل هَذِه الْخَمْسَة الْمَوَاضِع قد [جَاءَت] الْأَحَادِيث بالرغبة فِي حجمها إِلَّا فِي النقرة، فَإِنَّهَا تورث النسْيَان وفيهَا مَنْفَعَة فِي غير ذَلِك وَقد احتجمها رَسُول الله [ﷺ] وَثَبت عَنهُ فِي حَدِيث أَنه احْتجم النقرة، والكاهل، والأخدعين. وَفِي حَدِيث آخر أَنه [ﷺ] احْتجم على الدَّوَام بمحاجم صفر.
وَكَانَ [ﷺ]، يحتجم الذؤابة وَهِي وسط الرَّأْس، وسماها: الْمعينَة. وَكَانَ يحتجم تَحت الذؤابة وَهِي القمحدوة، وسماها: المنقدة. وَكَانَ فِيهَا شِفَاء من سَبْعَة أدواء من الْجُنُون، والجذام، والبرص، والصداع، وأكلة الْفَم، وَمن النعاس، ووجع الأضراس.
وَاحْتَجَمَ [ﷺ] الْكَاهِل وَأمر بهَا وسماها: النافعة، وَقَالَ: " تَنْفَع بِإِذن الله حجامة الْكَاهِل من سبعين دَاء مِنْهَا الْجُنُون والجذام والبرص ".
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب: أَن رَسُول الله [ﷺ] احْتجم الأخدعين، والكاهل؛ نزل عَلَيْهِ بذلك جِبْرِيل.
(مَا جَاءَ فِي الْأَوْقَات وَالْأَيَّام الَّتِي تسْتَحب فِيهَا الْحجامَة وَتكره)
وَعَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " من احْتجم يَوْم الْأَرْبَعَاء، أَو يَوْم السبت فَأَصَابَهُ وضح فَلَا يلوم إِلَّا نَفسه ".
وَعنهُ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن خَمْسَة من أَصْحَاب رَسُول الله [ﷺ] أَنهم سمعُوا مثل ذَلِك عَن رَسُول الله [ﷺ] .
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " حجامة يَوْم الثُّلَاثَاء صَبِيحَة سَبْعَة عشر من الشَّهْر شِفَاء من كل دَاء ".
1 / 17
وَعَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " من كَانَ محتجمًا فصبيحة سَبْعَة عشر، أَو تِسْعَة عشر، أَو أحد وَعشْرين، وَمن وَافَقت حجامته يَوْم الثُّلَاثَاء السَّبْعَة عشر كَانَ دَوَاء سنة ".
قَالَ عبد الْملك:
وَفِي هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام الْمُتَقَدّمَة كَانَت حجامة رَسُول الله [ﷺ] وَأسْندَ عَنهُ ذَلِك قَالَ: " وَهِي أفضل أَوْقَات الْحجامَة من الشَّهْر وَأفضل أَيَّام الْحجامَة يَوْم الثُّلَاثَاء، ثمَّ بعده يَوْم الْخَمِيس، ثمَّ بعده يَوْم الْإِثْنَيْنِ، ثمَّ بعده يَوْم الْأَحَد وأكرههما يَوْم الْأَرْبَعَاء وَيَوْم السبت خيفة البرص وَيَوْم الْجُمُعَة خيفة الْمَوْت ".
رَوَاهُ ابْن عمر عَنهُ [ﷺ] وَلَفظه: " إيَّاكُمْ والحجامة يَوْم الْأَرْبَعَاء فَإِنَّهُ دَاء " الحَدِيث.
وَعَن كَعْب الْأَحْبَار عَنهُ [ﷺ]: " خلق الضرّ يَوْم الْأَرْبَعَاء فبذلك كرهت الْحجامَة يَوْم الْأَرْبَعَاء مَخَافَة البرص ".
وَعَن رَسُول الله [ﷺ] أَنه قَالَ: " من احْتجم يَوْم الْجُمُعَة فَمَاتَ شرك فِي دَمه ". وَقَالَ [ﷺ]: " الْحجامَة ليَوْم الْأَحَد شِفَاء ". وَقَالَ أَيْضا: " الْحجامَة يَوْم الْأَحَد [كأنّها] [تداو] بدواء سنة ".
قَالَ عبد الْملك:
والحجامة تكره فِي أوّل الْهلَال، فَلَا [يُرْجَى] نَفعهَا حَتَّى ينقص الْهلَال. وَعَن ابْن سِيرِين كَرَاهَة الْحجامَة لرأس الْهلَال وَيَقُول: إِنَّهَا لَا تَنْفَع.
1 / 18
قَالَ عبد الْملك:
وَيَكْفِي فِي معرفَة ذَلِك أَن رَسُول الله [ﷺ] لم يحتجم إِلَّا فِي نُقْصَان الْهلَال.
(مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَة الْحجامَة للشَّيْخ)
قَالَ حَكِيم بن حزَام: مِمَّا علمنَا من طبّ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة ترك الْحجامَة للشَّيْخ. وَعَن سعيد بن الْمسيب أَنه يكره الْحجامَة للشَّيْخ الْكَبِير وَيَقُول: تذْهب بِنَفس الشَّيْخ.
(مَا جَاءَ [فِي مَا] يستحبّ من دفن الْحجامَة)
وَعَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله [ﷺ] أَمر بدفن دم الْحجامَة، وَدم الْحيض، وَدفن الشّعْر من الحلاق وَمن الجزار، وَدفن الظفر إِذا قصّ، وَدفن السنّ إِذا نزعت. وَكَانَ خَارِجَة بن زيد بن ثَابت يَأْمر بدفن الدَّم.
وَعَن مُحَمَّد بن عَليّ أَنه أَمر حجّامًا يحجمه أَن يفرغ محجمة دم لكَلْب أَن يلغه.
قَالَ ابْن حبيب:
وَإِن فعله مُحَمَّد بن عَليّ فَلَيْسَ بمتبرع من الْفِعْل وَقد نهى عَنهُ [ﷺ]، وَأَنه احْتجم فَأعْطى الدَّم رجلا ليدفنه وَقَالَ: " احذر أَن يبْحَث عَلَيْهِ الْكَلْب! ".
فَانْطَلق بِهِ الرجل فلمّا أَرَادَ أَن يدفنه إِذا بكلب يطوف بِهِ، فلمّا خشِي أَن يبْحَث عَلَيْهِ ازْدَردهُ، فلمّا انْصَرف قَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " مَا صنعت؟ "، فَأخْبرهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " أما أَحْبَبْت أَن تحرز نَفسك من النَّار؟ ".
وَكَانَ أنس بن مَالك إِذا جزّ شعره جعله فِي طبق، ثمَّ جعله فِي جِدَار. وَكَانَ يَقُول للحجام: لَا تخلط دمي بِدَم غَيْرِي.
(مَا جَاءَ فِي علاج الْحمى)
قَالَ رَسُول الله [ﷺ]: " الْحمى من فيح جَهَنَّم فأبردها بِالْمَاءِ ".
1 / 19
وَعنهُ أَيْضا [ﷺ]: " الْحمى أمّ ملدم تلدم اللَّحْم وَالدَّم بردهَا من الشَّيَاطِين وحرّها من جَهَنَّم فَإِذا حستموها فاغتسلوا بِالْمَاءِ الْجَارِي ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا " يَعْنِي مرّات.
قَالَ مَكْحُول الرَّاوِي: فَإِذا فعلت ذَلِك فَقل: اللَّهُمَّ إِنَّمَا فعلت ذَلِك تَصْدِيقًا لِرَسُولِك وَإِرَادَة شِفَاء بك.
وَرُوِيَ أَن رَسُول الله [ﷺ] لمّا قدم خَيْبَر قدمُوا على تَمْرَة خضراء فَأَكَلُوا فَأَصَابَتْهُمْ الْحمى فاهتدتهم فَأَمرهمْ رَسُول الله [ﷺ] أَن يقدموا المَاء فِي اللَّيْل فِي الشتَاء: " فَإِذا كَانَ بَين الْأُذُنَيْنِ فأفيضوا المَاء عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ " فَفَعَلُوا فَكَأَنَّمَا انشطوا من العقال.
وَكَانَت أَسمَاء بنت أبي بكر إِذا أتتها امْرَأَة محمومة تَأْخُذ المَاء فتصبّه بَينهَا وَبَين جيبها وَتقول: إِن رَسُول الله [ﷺ] كَانَ يَأْمُرنَا أَن نبردها بِالْمَاءِ.
وَعنهُ [ﷺ]: " الْحمى رايد الْمَوْت وسجن الله فِي الأَرْض وَقطعَة من جَهَنَّم فَإِن عَلَيْكُم مِنْهَا شَيْء فانهزوها بِالْمَاءِ الْبَارِد ".
وَكَانَ رَسُول الله [ﷺ] إِذا حمّ أَمر بقربة من مَاء فبرّدت، ثمَّ صبّها على قرنة فاغتسل بهَا.
وَرُوِيَ أَن رجلا [شكا] الْحمى إِلَى رَسُول الله [ﷺ] فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " اغْتسل ثَلَاث مَرَّات قبل طُلُوع الشَّمْس وَقل: بِسم الله وَبِاللَّهِ اذهبي يَا أمّ ملدم فَإِن لم تذْهب فاغتسل سبعا "
(مَا جَاءَ فِي علاج الخاصرة)
وَعَن عَائِشَة ﵂ أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " وجع الخاصرة من عرق
1 / 20
الْكُلية فَمن وجد مِنْهَا شَيْئا فَعَلَيهِ بالعسل وَالْمَاء المحرّق " يَعْنِي الْحَمِيم. قَالَت عَائِشَة: وَكَانَت الخاصرة برَسُول الله [ﷺ] وَكَانَت تشتدّ بِهِ حَتَّى إِن كَانَت لتسهده.
وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: لم أر للخاصرة خيرا من الْحَمِيم. يَعْنِي يدْخل فِيهِ وَيشْرب الْعَسَل.
وَرُوِيَ أَن عمر بن الْخطاب ﵁ سَأَلَ الْحَارِث بن كلّدة الثَّقَفِيّ عَن دَوَاء الخاصرة.
قَالَ: الحلبة تطبخ وَيجْعَل فِيهَا سمن الْبَقر. قَالَ الْحَارِث: وَأما إِذا كنّا على غير الْإِسْلَام فالخمر وَسمن الْبَقر.
قَالَ لَهُ عمر: لَا نسْمع مِنْك ذكر الْخمر فَإِنِّي لَا آمن إِن طَالَتْ مدّة من لَا روع لَهُ أَن [يتداوى] بهَا.
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " من سبق الْعَاطِس إِلَى الْحَمد الله عوفي من وجع الخاصرة ".
(مَا جَاءَ فِي الإثْمِد وعلاج الْبَصَر)
قَالَ رَسُول الله [ﷺ]: " عَلَيْكُم بالإثْمِد فاكتحلوا بِهِ عِنْد منامكم فَإِنَّهُ خير أكحالكم وَهُوَ يجلو الْبَصَر وَيذْهب القذى وينبت الشّعْر ويجفّ الدمع ".
وَكَانَت لرَسُول الله [ﷺ] محكلة فِيهَا إثْمِد يكتحل مِنْهَا عِنْد النّوم. وَسمع رَسُول الله [ﷺ] يَقُول: " [الكمأة] من المنّ وماؤها شِفَاء للعين ".
1 / 21
قَالَ عبد الْملك:
تعصر وَهِي رطبَة ثمَّ يرفع ويكتحل بِهِ من اشْتَكَى عينه من الرمد وَغَيره، وَكَانُوا يكْرهُونَ أكل الْحَلَاوَة، وَأكل التَّمْر وَالرّطب لصَاحب الرمد. وَقَالَ ابْن الْمُنْكَدر: لم ير لكاتب وَلَا لعامل أَي شَيْء خير لبصره من النّظر إِلَى الخضرة.
وَسُئِلَ مَالك عَن الضَّرِير الْبَصَر يقْدَح المَاء من عينه فيمكث أَرْبَعِينَ لَيْلَة أَو أقل من ذَلِك أَو أَكثر لَا يُصَلِّي إِلَّا إِيمَاء بِرَأْسِهِ فَقَالَ: أكره ذَلِك.
ولمّا نزل المَاء فِي عين ابْن عبّاس أَتَاهُ طَبِيب قَالَ: أَنا أقدح المَاء من عَيْنك وتستلقي على ظهرك أَرْبَعِينَ يَوْمًا يرجع إِلَيْك بَصرك، فكره ذَلِك ابْن عبّاس وَقَالَ: مَا كنت لأشتري [بَصرِي] بترك صَلَاتي.
وَمثل هَذَا عَن ابْن الْمَاجشون حرفا بِحرف.
قَالَ عبد الْملك:
فَأَقَامَ مَحْجُوب الْبَصَر حَتَّى مَاتَ.
قَالَ عبد الْملك:
قَالَ مَالك: وَلَو كَانَ إِنَّمَا يستلقي من قدح المَاء من عَيْنَيْهِ الْيَوْم الْوَاحِد وَنَحْوه لرأيت ذَلِك خَفِيفا، وَلَو اسْتَطَاعَ أَن يُصَلِّي جَالِسا يُومِئ بِرَأْسِهِ فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فِي الْأَرْبَعين لَيْلَة لم أر بذلك بَأْسا. وَعَن أبي مليكَة أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " من أَخذ من شَاربه وقلم أَظْفَاره يَوْم الْجُمُعَة عوفي من الْجُنُون والجذام والبرص وَإِن فيكمه إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَزَاد غَيره وَإِن أدْرك الرِّجَال لم يُسَلط عَلَيْهِ ".
وَكَانَ الْوَلِيد بن عبد الْملك يَأْمر بنيه أَلا يقلموا أظفارهم إِلَّا يَوْم الْخَمِيس والسبت وَيَقُول: ذكر لي أَن من فعل ذَلِك لم يصبهُ رمد مَا لزم فعل ذَلِك.
وَعَن حبيب بن سَلمَة أَنه قَالَ: مَا رمدت عَيْني وَلَا جربت وَذَلِكَ أَنِّي لم أجدّ حكاكًا بعيني وَلَا جلدي إِلَّا مسحتهما بريقي.
1 / 22
(مَا جَاءَ فِي علاج الصداع)
قَالَ رَسُول الله [ﷺ]: " الصداع مرض الْأَنْبِيَاء ".
وَكَانَت عَائِشَة ﵂ تنْعَت لصَاحب الدَّوَام (يَعْنِي الدوار) أَن يَأْكُل سبع تمرات ضحوة لكلّ يَوْم على الرِّيق سَبْعَة أَيَّام. وَكَانَ رَسُول الله [ﷺ] إِذا أَصَابَهُ الصداع غلف رَأسه بِالْحِنَّاءِ، وَكَانَ يصدع من الْوَحْي إِذا نزل عَلَيْهِ.
وَعَن أم كُلْثُوم بنت أبي بكر أَن رَسُول الله [ﷺ] دخل على عَائِشَة وَبهَا حرارة بصداع فَأخذ رَسُول الله [ﷺ] خلق عمَامَته فَشَقهَا عصائب فعصب بهَا مفاصل يَديهَا ورجليها فَذهب مَا كَانَت تَجِد.
وَكَانَ الْحَارِث بن كلّدة يَأْمر الَّذِي بِهِ الصداع والحرارة أَن يستعط بحضض بِالْمَاءِ لَا يخالط بِغَيْرِهِ وَرُبمَا أَمر بالصمغ الْعَرَبِيّ مَعَ شَيْء من الكندر.
قَالَ عبد الْملك: والكندر: هُوَ اللبان، والحضض: كحل خولان.
وَكَانَ رَسُول الله [ﷺ] يَأْمر بالاستعاط بالكست الْهِنْدِيّ من الصداع. يُؤْخَذ الكست فَيَحُك بالسمسم أَو بالزنبق، ثمَّ يسعط بِهِ من بِهِ الصداع.
1 / 23
وَعَن يحيى بن سعيد قَالَ: كَانَ رَسُول الله [ﷺ] يَأْمر بالاستعاط بالحبة السَّوْدَاء وَهِي الشونيز من الصداع.
قَالَ يحيى بن سعيد: وَذَلِكَ أَن تَأْخُذ سبع حبات، أَو تسعا، أَو إِحْدَى عشرَة فيهشمن، ثمَّ يصْرَرْن فِي خرقَة، ثمَّ تنقع الْخِرْقَة فِي مَاء، ثمَّ يعصر فِي مسعط على شَيْء من لبن امْرَأَة، أَو بنفسج، ثمَّ يسعط صَاحب الصداع.
وَكَانَ رَسُول الله [ﷺ] يسعط بالسمسم من الصداع، وَيغسل رَأسه بالسدر.
وَعنهُ [ﷺ]: " عَلَيْكُم بالمشط فتداوا بِهِ فَإِنَّهُ يذهب الصداع ".
وَكَانَ رَسُول الله [ﷺ] يمشط لحيته وَرَأسه فِي الْيَوْم المرّتين و[الثَّلَاث] من غير دهن وَرُبمَا فعل ذَلِك بِالْمَاءِ.
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب ﵁: أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " مشط الرَّأْس
1 / 24
ِ واللحية بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار يذهب الصداع ". وَعَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله [ﷺ] إِذا دهن بَدَأَ بحاجبيه، وَقَالَ: " هَذَا أَمَان من الصداع ".
(مَا جَاءَ فِي علاج الْفُؤَاد)
وَعَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله [ﷺ] دخل على سعد بن أبي وَقاص وَهُوَ يشتكي. قَالَ سعد: فَوضع رَسُول الله [ﷺ] يَده على صَدْرِي حَتَّى وجدت بردهَا على فُؤَادِي فَقَالَ لي: " أَنْت رجل مفؤود أرسل إِلَى ابْن كلّدة فَإِنَّهُ رجل متطبب فلتأخذ سبع تمرات من عَجْوَة وشيئًا من كست هندي وشيئًا من ورس وشيئًا من زَيْت، فلتدق التمرات بنواهن ثمَّ لِتجمع ذَلِك وتلذذ " فَفعل فبرأ.
(مَا جَاءَ فِي علاج الدماميل)
وَعَن ابراهيم بن مُحَمَّد الْهِنْدِيّ قَالَ: ينفع بِإِذن الله من الدماميل أَن تَأْخُذ من الْعِنَب الْأَحْمَر خمسين عنبة أَو نَحْوهَا فتطبخ بِالْمَاءِ حَتَّى يعود المَاء إِلَى الثُّلُث ثمَّ تشربه وتأكل الْعِنَب.
(مَا جَاءَ فِي الْعذرَة والسلفاغ)
وَعَن جَابر بن عبد الله أَن امْرَأَة دخلت على عَائِشَة بِابْن لَهَا وَبِه الْعذرَة وَقد أعلقت عَنهُ وَأَنْفه يسيل دَمًا فَدخل رَسُول الله [ﷺ] فَرَآهُ فَقَالَ: " ويلكنّ لَا تقتلن أولادكنّ
1 / 25
[بأعلاق. أيَّتكنَّ أصَاب] وَلَدهَا من الْعذرَة أَو من وجع بِرَأْسِهِ فتأخذ كستًا هنديًا وشيئًا من الْحبَّة السَّوْدَاء فلتحكه بِشَيْء من زَيْت ثمَّ تسعطه إِيَّاه " فَأمر رَسُول الله [ﷺ] عَائِشَة فَفعلت ذَلِك [فبرئ] .
وَعَن أم الغلامين قَالَت: سَقَطت بابنيّ عذرة فَجئْت رَسُول الله [ﷺ] فَقلت: يَا رَسُول الله إِن بابنيّ عذرة، أَبَا علق عَنْهُمَا؟
قَالَ: " لَا وَلَكِن أسعطيهما بالحبة السَّوْدَاء وبالكست المرّ وبالزيت و[تؤكلن] ".
قَالَت: فَذَهَبت فَلم تغدر لي نَفسِي حَتَّى أعلقت عَنْهُمَا فَقضى أَن مَاتَا فسيحتهما، ثمَّ ذهبت إِلَى رَسُول الله [ﷺ] فأعلمته بموتهما وَبِالَّذِي فعلت فَقَالَت: يَا رَسُول الله مصيبتي بمعصيتي لله وَرَسُوله أشدّ من مصيبتي بابنيّ.
فَقَالَ لَهَا: " أَنْت وَالِدَة لَا جنَاح عَلَيْك ".
قَالَت: وألفيت عِنْده نسَاء من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ: " يَا معشر النِّسَاء لَا تعلقن على أولادكنّ فَإِنَّهُ قتل السِّرّ، وَلَكِن أسعطن بالحبة السَّوْدَاء وبالكست المرّ وبالزيت وتؤكلن ".
قَالَ عبد الْملك:
فَسَأَلت قدامَة عَن علاج ذَلِك فَقَالَ لي: تَأْخُذ سبع حبّات من الْحبَّة السَّوْدَاء - وَهِي الْقرح الَّذِي يَجْعَل فِي الْخبز - فتجعلها فِي شَيْء من زَيْت، ثمَّ تسهكها سهكًا حَتَّى تنماع، ثمَّ تَأْخُذ عويدًا من كست مرّ [فتسهكه] فِي ذَلِك الزَّيْت سهكًا فَتقبل بِهِ وتدبر
1 / 26
حَتَّى مَاتَ مِنْهُ مَا مَاتَ، ثمَّ تقطره فِي مَنْخرَيْهِ وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الصَّيف فِي شدّة الحرّ فَلْيَكُن ذَلِك بِشَيْء من لبن امْرَأَة وَهُوَ ردّ فَإِنَّهُ بَارِد.
قَالَ لي قدامَة: وَتَفْسِير الأعلاق أَن تحدد الحديدة أَو الْعود حَتَّى كدح السهْم، ثمَّ يحدد طرفه شَدِيدا، ثمَّ يدْخل الْحلق واللهات حَيْثُ الْعذرَة فيبطّ بِهِ حَتَّى يسيل الدَّم. والعذرة شَبيه السلفاغ.
(مَا جَاءَ فِي علاج الجذام والبرص وَاجْتنَاب مَا يجرّ إِلَيْهِمَا)
وَرُوِيَ [أَن] الْأَزْدِيّ كَاتب عمر بن الْخطاب ﵁ أَصَابَهُ الجذام فَقَالَ عمر لِلْحَارِثِ بن كلدة: عالجه.
قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أمّا أَن يبرأ فَلَا، وَلَكِن أداويه حَتَّى يقف مَرضه.
قَالَ عمر: [فَلذَلِك كَانَ] الْحَارِث يَأْمر بالحنظل الرطب فيدهن بِهِ قَدَمَيْهِ لَا يزِيدهُ على ذَلِك فَوقف مَرضه حَتَّى مَاتَ.
وَجَاء رجل إِلَى رَسُول الله [ﷺ] وَبِه برص، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " إيت بِفنَاء لَيْسَ بِهِ بمرتفع وَلَا منحدر فتمرّغ فِيهِ "، فَفعل الرجل فَلم يزدْ برصه.
وَعَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " نبت الشّعْر فِي الْأنف أَمَان من الجذام ".
وَعَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " غُبَار الْمَدِينَة شِفَاء من الجذام ".
وَعنهُ، [ﷺ]: " من أكل الجرجير لَيْلًا تردد الجذام عَلَيْهِ حَتَّى يصبح ".
وَرُوِيَ فِي حَدِيث آخر: " لَا تَأْكُل الجرجير فَإِنَّهُ يسْقِي عروق الجذام ".
وَعَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: " لَا تستاكوا بِعُود الرمّان، وَلَا الريحان فَإِنَّهُ يسْقِي عرق الجذام ".
1 / 27
(مَا جَاءَ فِي الكي والبطّ وَقطع الْعُرُوق)
قَالَ عبد الْملك بن حبيب:
الكي والبطّ وَقطع الْعُرُوق مَكْرُوهَة إِلَّا من اضْطر إِلَيْهِ لداء لَا دَوَاء لَهُ إِلَّا فِيهِ، وَأمر لَا يُوجد فِيهِ بدّ فإمّا على حَال التَّدَاوِي [فِي مَا] فِيهِ المندوحة بِغَيْرِهِ عَنهُ فَلَا يجوز فعله. لم تزل الْكَرَاهِيَة فِيهِ فِي الْآثَار، وَفِي الْفتيا من أهل الْعلم.
وَعَن قَتَادَة أَن رجلا دخل على رَسُول الله [ﷺ] شاكٍ قَالَ: يَا رَسُول الله لَو اكتويت؟
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [ﷺ]: " بل اكتوِ أَنْت " فَمَا مَاتَ الرجل حَتَّى اكتوِيَ تسعا وَتِسْعين كَيَّة.
وروى إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَن رجلا اسْتَأْذن رَسُول الله [ﷺ] أَن يكتوي ثَلَاث مرّات فَنَهَاهُ ثَلَاث، فاكتوى الرجل بِغَيْر إِذن رَسُول الله [ﷺ] فَغَضب [ﷺ] لمّا أخبر بِهِ، ثمَّ قَالَ: " إِذا أحرقه الله فَأَحْرقُوهُ ".
وَجَاء رجل أَيْضا إِلَيْهِ [ﷺ] فَقَالَ لَهُ: إِن بِي عرق النِّسَاء، وَقد أردْت قطعه. فَقَالَ رَسُول الله [ﷺ]: " لَا تقطعه وَلَكِن استرقّ لَهُ وَخذ إلية كَبْش عَرَبِيّ أسود فيذاب، ثمَّ اشربه على الرِّيق ثَلَاثَة أَيَّام وادهنه بِهِ فَإِنَّهُ ينفع بِإِذن الله من عرق النِّسَاء ". وَنهى ابْن مَسْعُود عَن قطع اللهاة.
وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة بن وَقاص أَنه أَصَابَته ذَات الْجنب فَدَعَا لَهُ أَبوهُ طَبِيبا يكويه فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب: لَا تمسّ ابْنك نَارا فَإِن لَهُ أََجَلًا هُوَ بالغه لن يعدوه وَلنْ يتَأَخَّر عَنهُ.
فولى عَلْقَمَة بن وَقاص رَاجعا فَنَادَى عمر فَقَالَ لَهُ عمر: اعْلَم إِن الَّذِي كرهته لَك هُوَ كَمَا ذكرت، وَهُوَ حدث بابنك حدث فِي وَجَعه هَذَا لم يزل عليّ فِي نَفسك من نهيي [إيّاك] شَيْء اذْهَبْ فَاصْنَعْ مَا رَأَيْت.
وروى ابْن سعيد بن زارة: أَصَابَته الذبْحَة فَاسْتَأْذن رَسُول الله [ﷺ] فِي الكي فَنَهَاهُ فَأبى سعد إِلَّا أَن يكتوي. فاكتوى فَمَاتَ.
1 / 28