ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده، وقبل نصيحتنا، ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك، ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف. وهذا مراد الله منا في ذلك؛ لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة، فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا هذه وأولناها، كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى".
قلت: لقد وضح من كلام الإمام كالجويني رحمه الله تعالى السبب الذي حمل الخلف -إلا من شاء الله- على مخالفة السلف في تفسير آية "الاستواء"، وهو أنهم فهموا منه -خطأ كما قلنا- استواء لا يليق إلا بالمخلوق وهذا تشبيه فنفوه بتأويلهم إياه بالاستيلاء!
ومن الغريب حقا أن الذي فروا منه بالتأويل، قد وقعوا به فيما هو أشر منه بكثير، ويمكن حصر ذلك بالأمور الآتية:
الأول: التعطيل، وهو إنكار صفة علو الله على خلقه علوا حقيقيا يليق به تعالى. وهو بين في كلام الإمام الجويني.
الثاني: نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره، فإن الاستيلاء لغة لا يكون إلا بعد المغالبة كما ستراه في ترجمة الإمام اللغوي ابن الأعرابي، فقد جاء فيها:
أن رجلا قال أمامه مفسرا الاستواء معناه: استولى. فقال لهم الإمام: اسكت، العرب لا تقول للرجل: "استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل: استولى. والله تعالى لا مضاد له". وسنده عنه صحيح كما بينته هناك في التعليق "٢١٠" واحتج به العلامة نفطويه النحوي في "الرد على الجهمية" كما ستراه في ترجمته "١١٩".
فنسأل المتأولة: من هو المضاد لله تعالى حتى تمكن"! " الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه عنه؟!
1 / 30