د انګلیسي قصو نه غوره
مختارات من القصص الإنجليزي
ژانرونه
سيد الباب
كان «دنيس ده بولييه» دون الثانية والعشرين، ومع ذلك كان يعد نفسه رجلا مجتمعا تاما، وفارسا مدربا أيضا. وكان الغلمان يخوضون القتال في حداثتهم في ذلك العهد الحافل بالحروب. ومتى اشترك الواحد في وقعة، وبضع غارات، وأردى خصما وهو ينازله، وعرف شيئا عن الناس والحروب، فإن مما يغتفر له أن يكون في مشيته بعض الاختيال والتبختر. وكان دنيس قد ربط جواده وعلفه، ثم تعشى على مهل، ثم خرج، وهو أتم ما يكون رضى عن الدنيا ليؤدي زيارة في الغسق. ولم يكن هذا من الحكمة فقد كان خيرا له أن يدفئ على النار، أو أن يأوي إلى فراشه، فقد كانت البلدة غاصة بجنود برجندي، وإنجلترا تحت قيادة مختلطة. ومع أن دنيس كان يحمل ترخيصا وتأمينا، فإن هذا كان خليقا أن يكون ضئيل الجدوى إذا اعترضه معترض.
كان ذلك في شهر سبتمبر من سنة 1439، وكان البرد قارسا، والرياح الزفزافة
1
المتقلبة، المثقلة بالماء تضرب البلدة وتعصف بالأوراق الذاوية في الطرق وكان المرء يرى هنا، وههنا، نافذة ينبعث منها الضوء، وكانت أصوات المقاتلة وهم يتناولون عشاءهم ويشربون، ويسمرون عليه، تسمع متقطعة، وتحملها الرياح ولا تلبث أن تبتلعها. وأظلم الليل بسرعة، وصار علم إنجلترا الخافق يزداد غموضا وخفاء مع تكاثف السحب السابحة، حتى صار نقطة سوداء، كأنه العصفور في عماية السماء المطبقة الدجن، ومع الليل ثارت الرياح وصارت تصفر تحت العقود، وتزأر بين رءوس الأشجار في الوادي تحت البلدة.
وأغذ دنيس ده بولييه السير، وما لبث أن بلغ بيت صاحبه وقرع بابه وكانت نيته ألا يطيل المكث وأن يبكر في الأوبة، ولكنه وجد من الحفاوة والأنس والإكرام ما أذهله عن الوقت فتقضى من الليل أكثر من نصفه قبل أن يودع صاحبه على عتبة بيته، وكانت الريح قد سكنت في خلال ذلك، ولكن الليل كان أحلك من القبر، فلا نجم يومض، ولا سنا قمر يبدو من خلال السحاب المتبسط. ولم يكن دنيس خبيرا بمداخل الطرق ومخارجها في «شاتو لاندون.» حتى في النهار كان يجد عناء في سلوك هذه الطرق الألغاز
2
فضل في هذا الظلام الطاغي. على أنه كان على يقين من شيء واحد، هو أن سبيله أن يصعد في الجبل، فقد كان بيت صديقه في الجانب المتطامن من «شاتو لاندون» أما الخان فكان في رأس الجبل، وفي ظل الكنيسة الكبيرة. فمضى - ولا هادي له إلا علمه هذا - يتعثر ويتحسس طريقه، فتخلص أنفاسه تارة في المواضع الرحيبة التي تتسع فوقها رقعة السماء، وتارة أخرى يمشي وراحته على الحائط في المضايق الخانقة. وإنه لمن بواعث الرعب والخشية أن يغرق المرء على هذا النحو في لجة صماء من السواد في مدينة مجهولة، فإن السكون يكون منطويا على احتمالات مرعبة، وتلمس اليد المتحسسة قضبان الشباك الباردة فكأنما لمست ثعبانا من ثعابين الماء. وتتعثر الرجل من قلة استواء الطريق فيثب القلب إلى الفم، ويكثف الظلام في موضع فيكون هذا نذيرا بكمين ، أو مدعاة للخوف من الوقوع في فجوة أو حفيرة، وإذا كان الهواء أصفى والسواد أخف، اتخذت المساكن مظاهر غريبة محيرة كأنما تتعمد أن تزيد المرء ضلالا. وكان على دنيس أن يعود إلى الخان من غير أن يلفت إليه الأنظار، وكان معرضا لخطر جدي فضلا عما يعانيه من مشقات هذا السرى. فكان يمشي محاذرا مرهف الأذن ولكن في غير وجل، وكان يتمهل عند كل زاوية ومنعطف ليتسمع وينفض الطريق.
وقضى وقتا ما، يخترق زقاقا بلغ من ضيقه أن وسعه أن يلمس الجدارين على الجانبين بيديه، وإذا بالزقاق يتفتح ويرحب وينحدر انحدارا شديدا صعبا. فلم يبق عنده شك في أن هذا ليس طريقه إلى الخان، غير أن الرغبة في شيء من النور والوضوح أغرته بالتقدم ليتبين. وكان الزقاق ينتهي بشرفة مسورة، كأنها وهي تطل من بين المنازل العالية على الوادي الغامض المظلم تحتها، المرقب في الحصن. وصوب دنيس لحظه إلى الوادي فتبين رءوس بضع أشجار تخفق، ونقطة مضيئة واحدة في حيث يجري ماء النهر عند السد. وكان الجو قد بدأ يصفو، والسماء تفصح، فبدا رحى السحاب ومستداره في حيثما كان أغلظ، وبانت خطوط الجبال. ورأى دنيس، على هذا الضوء الخافت، منزلا على يساره ينبغي أن يكون على حظ غير قليل من الفخامة، وكان على مستداره من أعاليه أبراج ومراقب وقد برزت من بنائه مؤخرة مستديرة لمعبد قائم على عمد ذات عقود. أما الباب فتحت طنف مشرف خارجا عنه وعليه نقوش بارزة ومن فوقه ميزابان طويلان. وكانت نوافذ المعبد يلتمع من خلال زخارفها المعقدة ضوء كأنه منبعث من شموع كثيرة فصارت العمد والسقف الناتئ أشد سوادا تحت السماء. وكان من الجلي أن هذا بيت أسرة كبيرة من أهل هذه الناحية، فتذكر دنيس بيتا له في بورج ووقف لحظة ينظر إليه ويقيس براعة المهندسين ومنزلتي الأسرتين.
ولم يبد له أن للشرفة منفذا غير الزقاق الذي وصل منه إليها، ولم يكن يسعه إلا أن يعود أدراجه من حيث جاء، ولكنه ألم بالمكان فصار في مرجوه أن يهتدي إلى الطريق الأعظم ليبلغ منه خانه. وكان لا يدور في خلده أن سيقع له من الحوادث في ليلته هذه ما يجعلها أبدا بالذكر بين عينه وقلبه طول حياته؛ ذلك أنه ما كاد يرجع نحو مائة ذراع حتى أبصر ضوءا مقبلا عليه وسمع أصواتا عالية في هذا الزقاق الذي تتجاوب فيه الأصداء. وكان القادمون نفرا من الحراس يعسون ومعهم المشاعل، ولم يخالج دنيس شك في أنهم قد ارتووا من النبيذ، وأنهم ليسوا بحيث يعبئون شيئا بالرخصة التي يحملها أو يحفلون بأحكام الفروسية وأصول النزال. ومن المحتمل أن يقتلوه كما يقتل الكلب. وأن يتركوه حيث يقع. وكان الموقف يثير النخوة، ويغري بالإقدام ولكنه يبعث على الاضطراب. وقد خطر له أن مشاعلهم خليقة أن تخفيه عن عيونهم، وأن وقع قدميه حقيق أن يغرق في لجة أصواتهم الفارغة. وإذا ساعفه الحظ فمضى مسرعا وفي سكون فقد يستطيع أن يفلت من غير أن يتنبهوا.
ناپیژندل شوی مخ