د انګلیسي قصو نه غوره
مختارات من القصص الإنجليزي
ژانرونه
لهذا بدا لي أن خير ما أصنع هو أن أستقر في غرفتي، فسألت هل هنا شيء يقرأ؟ فجاءني الخادم بكتاب عن الطرق، وصحيفتين أو ثلاث قديمة، وكتاب أغان صغير، ينتهي بمجموعة من «الأنخاب» وكتاب نكت، ونسخة قديمة من «بريجرين بيكل» و«الرجعة العاطفية» وكنت أعرف كل حرف من الكتابين الأخيرين، ولكني مع ذلك قرأتهما مرة أخرى، ثم حاولت أن أشدو بالأغاني، ولم تفتني نكتة مما في كتابها، وقد وجدت فيها ذخرا من الكآبة واءمت حالتي النفسية! واقترحت على نفسي كل الأنخاب المدونة وأعربت عن جميع العواطف المسجلة ، وحفظت ما في الجرائد عن ظهر قلب، ولم يكن فيها سوى إعلانات عن بضائع وبيان عن اجتماع وخبر عن حادثة سطو في الطريق. ولما كنت منهوما بالقراءة فقد التهمت ما أعطونيه قبل دخول الليل، بل لقد فرغت منه كله قبل وقت الشاي، ولم يبق لي إلا ما أستطيع أنا تدبيره لتزجية الوقت، فقضيت ساعة أفكر فيما عسى أن أصنع بعد ذلك. وأخيرا خطر لي (فقد كان يعنيني أن أنقي من رأسي كل خاطر له صلة بأنجيلا وإدوين) أن أنشر المطوي مما وعته الذاكرة من تجاربي المقترنة بالفنادق، وأنظر أي وقت يذهب في ذلك، فحركت النار وأدنيت كرسيا من الستر المتحرك - ولم أجرؤ أن أدنو جدا مخافة أن تهجم علي الريح المتربصة وراءه، وكنت أسمع صوتها - وبدأت.
أقدم ما أذكر من أمر الفنادق يرجع إلى عهد الطفولة، لهذا كررت راجعا إلى ذلك العهد واتخذت منه بداية، فألفيت نفسي على ركبة امرأة شاحبة الوجه ضيقة العينين، قنواء الأنف، خضراء الثوب، لا تعرف من الأقاصيص إلا واحدة عن سري من أهل الناحية كان ضيوفه يختفون بلا سبب، ومضت سنوات ثم ظهر أن همه من حياته أن يصنع من لحومهم «فطيرا» ولكي يكون تخليه أتم لهذا الضرب من الصناعة وتوفره عليه أرقى أنشأ بابا سريا خلف رأس السرير، فإذا نام الضيف (المتخوم بالفطير) دخل عليه هذا الشرير وفي إحدى يديه مصباح وفي الأخرى سكين وقطع رقبته ثم طبخه وصنع منه فطيرا. ولهذا اتخذ في موضع مستور تحت السرير مراجل لا تفتأ تغلي. وكان يحدو رقاقه هذا في فحمة الليل، ومع ذلك لم يسلم من وخز الضمير، فما نام قط إلا تمتم «الفلفل كثير» فما لبث أن أسلمته التمتمة إلى العدالة.
وما كدت أفرغ من قصة هذا المجرم حتى تذكرت أخرى من مخلفات ذلك العهد عن رجل كانت صناعته في الأصل السطو على البيوت، وقد جر عليه ذلك صلم أذنه اليمنى في إحدى الليالي بينما كان يهم بالدخول من نافذة، صلمتها له خادمة جميلة قوية القلب (كانت العجوز ذات الأنف الأقنى وإن كانت أبعد خلق الله عن هذا الوصف، تدع السامع يتوهم أنها هي تلك الخادمة الحسناء الجريئة). وبعد سنين عدة زفت هذه الغيداء الباسلة إلى صاحب فندق وكانت له عادة غريبة هي أنه يلبس قلنسوة من حرير لا ينزعها أبدا في ليل أو نهار كائنة ما كانت الأحوال. ففي إحدى الليالي نزعت هذه المرأة الجميلة الجريئة قلنسوته عن أذنه اليمنى فإذا هي مصلومة! فأدركت أنه هو اللص الذي قطعت له أذنه وأنه تزوجها ليفتك بها، انتقاما منها، فأسرعت إلى السفود أو المحضاء فأحمته وقضت به عليه قبل أن يقضي عليها، فحملوها إلى الملك جورج على عرشه حيث تقبلت منه الثناء الملكي السامي على حكمتها وعقلها وشجاعتها.
وكانت هذه القصاصة العجوز، على ما تبينت من زمان طويل، تجد لذة وحشية في إرعابي وإطارة صوابي من الخوف، وقد روت لي ما زعمته قصة واقعية من تجاربها ولكني أعتقد أنها مولدة من رواية «ريموند واجنز أو الراهبة الدامية» وقد قالت: إن الحادثة وقعت لزوج أختها، وكان على ما ادعت غنيا جدا، ولم يكن أبي كذلك. وكان يسر هذه العجوز الغولية المزاج أن تعرض أقاربي الأدنين وأصدقائي على عقلي الصغير، في صور مستهجنة. قالت: وكان قريبها هذا يخترق غابة وهو ممتط صهوة جواد أصيل (ولم يكن لنا جواد أصيل) يتبعه ويمشي في ركابه كلب قوي لا يقوم بمال (ولم يكن لنا كلب). وأمسى عليه الليل وهو سائر فعرج على فندق ففتحت له الباب امرأة سمراء فسألها: هل يجد عندها سريرا؟ فقالت: نعم، وأدخلت حصانه الإسطبل ومضت به هو إلى غرفة فيها رجلان أسمران، وبينما كان يتمشى شرع ببغاء، كان في الغرفة، يتكلم ويقول: «الدم! الدم! امسحوا الدم!» فنهض إليه أحد الرجلين الأسمرين ولوى عنقه فمات، وعاد وهو يقول: إنه يحب الببغاوات المحمرة، وأنه سيفطر بهذا في الصبح. وبعد أن أكل صاحبنا الغني جدا وشرب حتى هنئ صعد لينام، ولكنه كان ساخطا لأنهم حبسوا كلبه في الإسطبل زاعمين أنهم لا يسمحون بترك الكلاب طليقة في الخان. ولبث ساكنا أكثر من ساعة يفكر، ولما أشفت شمعته على الفناء سمع صوت حك بالباب ففتحه وإذا بكلبه وراءه، ودخل الكلب على مهل وجعل يشم ثم مضى رأسا إلى قش في ركن، قال أحد الرجلين الأسمرين: إنه يغطي تفاحا، ونثر الكلب القش فكشف عن ملاءتين ملوثتين بالدم، وفي هذه اللحظة انطفأت الشمعة، ونظر صاحبنا من ثقب بالباب فألفى الرجلين الأسمرين يصعدان على أطراف أصابعهما ومع أحدهما خنجر يبلغ طوله خمس أقدام، ومع الثاني ساطور وغرارة وفأس. وقد نسيت بقية القصة وأحسب أن الرعب أورثني الخدر وأفقدني القدرة على الإصغاء حوالي ربع ساعة.
وانتقلت من هذه الأقاصيص - وأنا قاعد أمام الموقد في فندق شجرة الميلاد - إلى قصة خان «رودسيد»، وكيف ضبط صاحبه إلى جانب سرير الضيف المقتول، وسكينه عند قدميه، والدم على يديه. وكيف شنقوه على الرغم من قوله إنه صعد إليه ليقتله ولكنه جمد في مكانه إذ وجده قد ذبح قبل ذلك، وكيف أنه بعد سنين عدة، اعترف خادم الخان بالقتل.
ولما بلغت إلى هنا في نشر المطوي من ذكرياتي، استولى علي القلق فنهضت وحركت النار وأوليتها ظهري ولبثت هكذا حتى لم أعد أطيق حرها، وكنت أحدق في الظلام الحالك وراء الستر، وأنظر إلى الستائر التي تتحرك كالديدان في أنشودة «ألونزو الشجاع وإيموجين الحسناء».
وتذكرت خانا في البلدة التي دخلت مدرستها، ولما كانت ذكرياته أحلى وأشرح للصدر، فقد تناولتها وأحييتها. كان ذلك خانا ينزل فيه الأصدقاء وكنا نحن نقصد إليه فيسخو علينا صاحبه بما عنده، وكنت مجنونا بحب ابنته - ولكن دع هذا - وفي هذا الخان حنت علي أختي الصغيرة وهي تبكي لأن عيني ورمت في ملاكمة. وقد ذهبت أختي منذ سنوات طويلات المدد، إلى حيث تجف العبرات، ولكن هذه الذكرى، على بعد مسافة الزمن، عطفت قلبي عليها ورققته لها.
وتناولت شمعتي ومضيت إلى سريري وأنا أقول: «البقية تأتي غدا.» ولكن سريري تكفل بإبقاء خواطري في هذا المجرى، فألفيتني أحمل، على مثل البساط المسحور ، إلى مكان قصي (وإن كان في إنجلترا)، وهناك نزلت من مركبة عند باب خان والسماء تثلجنا. وأعدت وأنا نائم تجربة غريبة وقعت لي بالفعل. ذلك أنه قبل هذه الرحلة التي كرت بي الذاكرة إليها، بأكثر من عام، توفي صديق لي كان عزيزا علي وأثيرا عندي، فصرت أراه كل ليلة في أحلامي سواء أكنت راقدا في بيتي أم في غيره، وكان يبدو لي تارة كأنه ما زال حيا، وطورا كأنه عائد إلي من عالم الأرواح والأشباح ليعزيني ويسليني، ولكنه دائما جميل، ساكن، سعيد، لا يجري في البال أو يحرك في النفس أي معنى من معاني الجزع والأسى. وكان الخان الذي نزلت فيه بعد ذلك الحادث في رقعة فسيحة من الريف، وبعد أن أشرفت من نافذة غرفتي على الثلج الذي يكسو الأرض ويضيئه القمر، جلست إلى جانب الموقد لأكتب رسالة. وكنت إلى تلك اللحظة قد حرصت على أن أكتم أني أرى صديقي العزيز الذي فقدته، في منامي كل ليلة. فدونت هذا في الرسالة التي كتبتها وزدت على ذلك أني أريد أن أرى هل يظل موضوع أحلامي ثابتا على الوفاء لي على الرغم من بعد الشقة (في هذا المكان) ومن تعب السفر ومجهوده؟ ... كلا ... فقدت الخيال لما بحت بالسر! ولم تكتحل به عيني سوى مرة واحدة في ستة عشر عاما، بعد ذلك ... وكنت في إيطاليا، فاستيقظت (أو خيل إلي أني استيقظت) وفي مسمعي ذلك الصوت الذي لا ينسى، كأوضح ما يكون، وأنا أحدثه، فتوسلت إليه - وهو يسمو فوقي، ويحلق ذاهبا في الهواء، صاعدا إلى قبة الغرفة العتيقة - أن يجيبني عن سؤال لي عن الحياة الأخرى. وكانت يداي لا تزالان مبسوطتين إليه بالرجاء والتوسل لما اختفى. فسمعت جرسا يدق على كثب من الحديقة وصوتا في سكون الليل العميق يدعو المسيحيين الصادقين أن يصلوا لأرواح موتاهم ويترحموا عليهم ...
وكان ذلك اليوم، يوم عيد الموتى ...
وأعود إلى فندق شجرة الميلاد الذي أنا فيه، فأقول إني لما استيقظت في صباح اليوم التالي ألفيت الجمد على حاله، والسماء الدانية المسفة تنذر بالمزيد، فأفطرت ثم ارتددت بالكرسي إلى مكانه السابق، واستأنفت ذكريات الخانات ...
ناپیژندل شوی مخ