د انګلیسي قصو نه غوره
مختارات من القصص الإنجليزي
ژانرونه
وكان من الدلائل على أن المستر تمبرلي لم ييأس قط من العود إلى عالمه القديم أنه عني بالتحفظ بثياب السهرة والحذاءين الملائمين لها. وما أكثر ما هم مدفوعا بحاجته وضنكه، أن يبيع هذه الأشياء التي لا نفع لها عنده! وقد رهنها أكثر من مرة، من أجل بضعة شلنات، ولكن النزول عن عنوان منزلته ورمز طبقته، لم يكن إليه من سبيل، لأن معناه اليأس المطلق، واليأس شيء أجنبي، لا يوائم طبيعة المستر تمبرلي المبنية على الجلد. وقد ذهبت حليه جميعا - حتى ساعته وسلسلتها - فإن مثل هذه الأشياء ليست لازمة لازبة، لمظهر الرجل الكريم، وقد هنأ نفسه بما كان من حسن تدبيره لأموره، ذلك أن لقاء المسز تشارمن سره بقدر ما ربكه، وخفق قلبه خفقة الجذل وهو يتطلع إلى قضاء المساء في بيئته القديمة. وعاد مسرعا إلى غرفته وفحص ثيابه بعناية وتدقيق فلم يجد فيها عيبا ظاهرا أو ملحوظا. على أنه احتاج أن يشتري قميصا ورباطا. وكان معه لحسن حظه المال الكافي لسد هذه الخلة، ولكن بماذا يئول لهم غيبته الطويلة؟ هل يسعه أن يطلعهم على خصاصته ويدلهم على مسكنه؟ إن هذا يكون معناه استدرار العطف من أصدقائه القدماء، وهذا موقف لا قبل له به ولا قدرة له على احتماله. والرجل الكريم لا يكشف عن حالة تسوء وتؤلم إذا كان يسعه كتمانها. فهل يكذب إذن صراحة أو ضمنا؟ وذكر الحقيقة لا سبيل إليه لأنها تنطوي على لوم لزوج المسز تشارمن.
وجاء مساء اليوم التالي وهو لا يزال حائرا لا يستقر على رأي. وبلغ بيت المسز تشارمن من غير أن يصح له عزم على أمر، وكان في غرفة الجلوس ثلاثة ينتظرونه - المسز تشارمن، وابنتها، وزوجها - المستر والمسز وير - وقد أشفى على البكاء من حسن ما استقبل به، وغلبته عواطفه ففقد رصانته وصار يتكلم جزافا، فصاغ قصة خرافية لم يكد يفرغ منها حتى بهت هو نفسه لها!
وقد جاءت هذه القصة في جواب سؤال طبيعي عن مسكنه أين هو؟
فقال بابتسامة سخيفة: «في الوقت الحاضر أسكن غرفة للنوم والجلوس معا في شارع صغير في حي إسلنجتون.»
فساد الصمت، ورشقوه بنظرات التعجب والدهشة، ولولا هذه النظرات لما درى أحد بماذا كان المستر تمبرلي حقيقا أن يعترف.
وقال: «لقد قلت يا مسز تشارمن إنه لا يسعني إلا أن أعترف بشيء من الشذوذ. وإني لأرجو ألا يزعجك ذلك. وأوجز فأقول إني وقفت جهودي الضعيفة على العمل الاجتماعي. فأنا أعيش بين الفقراء، كواحد منهم، لأحصل بذلك على المعرفة والخبرة اللتين لا سبيل إليهما بغير هذه الوسيلة.»
فصاحت مضيفته: «تالله ما أنبلك!»
وكان ضمير المسكين يخزه وخزا أليما، فلم يسعه أن يزيد على ما اخترع شيئا وأراد القوم أن يترفقوا بعواطفه ويعفوه من الحرج فغيروا موضوع الحديث. ولم يخطر لهم قط وقتئذ، ولا فيما بعد، أن يشكوا في صدقه. ولقد رأته المسز تشارمن يعامل بنك إنجلترا، وهو مكان لا يوحي إلى النفس فكرة الفقر، وكان العهد بالمستر تمبرلي أنه غريب الآراء والأساليب. وهكذا تورط في كذبة عجيبة، وخدعة لا يسهل تبينها، ولا ضرر منها إلا عليه.
ومضى نحو عام على ذلك، التقى المستر تمبرلي في خلاله بأصدقائه هؤلاء ست مرات أو حوالي ذلك، وكان ينعم باجتماعه بهم على نحو يدعو إلى المرثية، ولم يكن يزعجه منهم أي إشارة إلى أسلوب حياته، فقد صار من المفهوم والمقرر أنه يؤثر أن يظل نوره محجوبا، ومروءته مكتومة، فلم يكن يحتاج أن يكذب مرة أخرى. وما من شك في أنه ندم على الكذب والخداع، وجال بخاطره أن المسز تشارمن - وهي سيدة غنية - لعلها كانت تستطيع أن تساعده على ما يبتغيه من وسيلة كريمة لكسب الرزق. على أن الواقع أنه لم يخطر له إلا أن يكون مجلد كتب، وهي حرفة توافق ذوقه بعض الموافقة، واجترأ يوما فاتفق مع رب البيت على أن يعلمه هذه الحرفة بالعمل له زمنا ما، بعد أن يحذقها. وقد صار الآن هذا اليوم قريبا، وأحس المستر تمبرلي أنه على العموم أسعد مما كان أيام البطالة واجترار الهموم، وأصبح يتطلع إلى اليوم الذي يزداد فيه دخله، فلا يعود يفرق من الأسبوعين الأخيرين من كل ثلاثة شهور، ومن النوم فيهما كل ليلة بغير عشاء.
وقد أورثته دعوة المسز وير له أن يلحق بها في لوسرن، ألما مرا. لوسرن! أفترى تلك كانت حياة سابقة أيام كان يسعه أن يسافر ويجوب الأرض، ويركب البحر، ويتنزه كما يحب، ولا يعني نفسه بحساب المال؟ وارتسمت لعينه أماكن كثيرة جميلة رحل إليها، ومناظر حسنة كالأحلام نعم بها، وقد أصارتها شوارع لندن بعيدة نائية، وأشبه بالصور الخيالية منها بالحقيقة، وصارت السنوات الثلاث التي قضاها في لندن في البأساء والضنك أطول فيما يحس من كل حياة الدعة والخفض التي كانت قبلها. لوسرن! ولو كانت طبيعة المستر تمبرلي أحد وأقوى لطار عقله، ولكنه جعل يدير هذا الخاطر في نفسه النهار كله، ولا يعبر عن عواطفه بأكثر من زفرة أو ابتسامة حزينة.
ناپیژندل شوی مخ