6
الإهاب، وأن يسكن ما كان يتحير في الخدود من ماء الشباب، أفكل هذا يصنع الحياء؟ ألا بعدا لهذا الحياء!
فقلت لها: دعيني من هذا، فوالله ما أراك الآن إلا كما كنت أراك فتاة مرحة لعوبا تثبين في حديقة بيتك، تجمعين الأزهار، وتارة تلاغين الأطيار، وهل تحسبين أن الأيام أبقت مني على عين تنظر جديدا، أو عاطفة يشبها حديث؟ إنما أنظر إليك بتلك العين، وأشب لك تلك العاطفة، وهما اللتان ادخرتهما للحياة من ذلك العهد البعيد، ولو كانت لي عين تنظر كما تنظر عيون الناس، وعاطفة تهب كما تهب عواطف الناس، ورأيتك اليوم أحلى وأنضر مما كنت، لانصرف حبي عنك، لأن هواي إنما يكون إلى غيرك، فهلم بنا نسافر معا إلى الماضي، تبعثين له حسنك، وأبعث له قلبي، فعلى هذا الماضي نعيش ما قدرت لنا الحياة.
ثم كانت زفرات تنفس بها الحشى، وترجم بها القلب عن كل ما أعيا على اللسان!
ولا أدري أأحبته من تلك الساعة كما أحبها دهره الأطول؟ أم أنها أسعدته بالبكاء رحمة به، وشفقة عليه؟! •••
وألحت العلة على صاحبي، وأثقلته في فراشه، فلم ير صاحبته بعدها أبدا، وكنت أعوده في كل يوم، فلما تراءت له المنية قال لي ذات يوم؛ أنت أصدق أصدقائي وأحفظهم لعهدي، وأكتمهم لسري، فهل لك في يد تسديها إلي؟ فقلت له: فدتك نفسي فمر، وأنا لك فيما دون الدين والعرض طائع، قال: فإني حين علقت فلانة وصدني الحياء عن مكاشفتها بهواي كنت أفيض بمذكرات أصف فيها بعض ما أجد لها من الصبابة، فهل لك أن تحفظها عندك ولا تنشرها للناس - إن نشرتها - إلا بعد أن ينطوي خبري وخبرها، ويمحى أثري وأثرها؛ فما أحب أن يعرف على الزمان غيرك من أنا ومن هي، فلنا من حكم العادة ومن حكم بيوتنا ما يكفنا عن هذا، فعاهدته على ذلك، فمد المسكين يده الريقية الناحلة، واستخرج من تحت الوسادة رزمة دفع بها إلي، بعد أن كرر الوصية تكرير الواثق لا المستريب.
وقضى بعد أيام، ولكم سالت لمصرعه كبود، ولكم لطمت في رزئه خدود، ولكم شقت عليه جيوب، ولكم تفطرت له قلوب! •••
وشخصت في ضحى يوم من الأيام إلى قبر صديقي لأزوره، فإذا عليه ورد ناضر وريحان جنى، فسألت سادن القبور عمن جاء بهذا؟ فقال لي: إن سيدة تنتاب هذا القبر حينا بعد حين، فتنثر عليه الرياحين والزهور، وتظل ساعة تبكي حتى تستعير ثم تنصرف، فسألته أن يصفها لي، فعرفت أنها صاحبته؛ رحمة الله عليهما جميعا .
أولادنا!1
تسألني يا سيدي في كتابك أن أصف لك حب الولد، وما مبلغه، ومن أي نحو هو، وهل يستوي فيه صغارهم صغارهم وكبارهم، وذكورهم وإناثهم؟ وهل صدق ذلك الذي قيل له: أي بنيك أحب إليك؟ فقال: صغيرهم حتى يكبر، وغائبهم حتى يحضر، ومريضهم حتى يبرأ؟
ناپیژندل شوی مخ