306

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله!

إلى الحكومة

الغوث الغوث! النجدة النجدة!

ليست لي والحمد لله ضياع فأستفيد بتوافر المياه من مشروعات الري الكبرى، ولا باستصلاح الأرضين بمشروعات الصرف الكبرى والصغرى.

ولسيت من صغار الفلاحين فأطمع في أن يسهم لي في توزيع أرض الحكومة في الفيوم أو سخا أو في السنطة.

ولست من العمال حتى أبسط الأمل في مسكن يؤويني ويخفف عني من كراء البيت، فوق أنني بفضل الله أثوي إلى منزل أملكه.

ولست أسكن الريف حتى أفرح بردم البرك والمستنقعات خلاصا من أذى البعوض، وما يجر الماء الآسن من أمراض وأسقام، وعلى الجملة فإنني ما قلبت فكري في هذه المشروعات، فرأيت لي بالذات حظا في شيء منها كثيرا كان أو قليلا، على أنني أغتبط بالطبع كل الاغتباط بكل ما يدخل على أبناء وطني من النعمة، ويعود عليهم بأسباب الرفاهية، ولكنني مع هذا إنسان أيضا، لا يمكن أن ينسيني النفع العام الشعور بألم الضرر الخاص.

ذلك أنني من يوم شاعت في البلد سيارات الأجرة (التاكسات) أوثرها على مركبات الخيل، لأسباب لا محل لبسطها في هذا المقام، وأهمها الاقتصاد في الوقت، وأمن الشجار، في غاية «المشوار» إلخ، وعلى ذكر هذا فقد تدليت العام الماضي من الديوان في يوم شديد القيظ، فلم يصادفني في طريقي إلا مركبة، فقلت في نفسي «نأخذها» والسلام! واستويت إليها وأنا لقس النفس، مجهود الجسم! مرهف الأعصاب، فتدلى الحوذي عن كرسيه ومشى في رفق، فانتزع المخلاة من فم أحد الجوادين، وزرها وعاد بها كذلك، فألقاها في مداس قدمه من العربة، ثم عاد فألجم الجواد وسوى شكيمته، وعدل إلى الثاني فصنع به ما صنع بالأول، كل هذا في تؤدة وبطء وعظيم اطمئنان، إذ أنا ترتفع حرارتي ويتدارك نفسي ويسرع نبضي، ثم تمكن من كرسيه وتناول وسطه وأهوى به على الجواد الأيمن فانثنى إلى الأيسر، وهذا انثنى إلى المركبة، والمركبة ثابتة في موضعها، فأهوى الحوذي بالسوط على الأيسر، فانثنيا كلاهما إلى الجانب الأيمن، ولما ضاق ذرعي وهممت بالنزول، وثبت الحوذي إلى الأرض، وجر الجوادين معا من خطامهما فانجرا، ولا أطيل عليك أكثر مما أطلت: سارت العربة ثم سارت وسارت، فلم تكد تبلغ شيئا حتى خيل إلي أنني إنما أركب ظلا يتقلص، تحسبه ثابتا وهو في الواقع متحرك، وحتى خيل إلي من بطء المسير، وطول المدة، وضيق النفس، أنني قادم من الصين لا من شارع الفلكي.

ووصلنا بسلامة الله إلى ميدان السيدة زينب، فحق قول العامة: «طولة العمر تبلغ الأمل»، وإذا «الترام» يجوز وبيننا وبينه نحو أربعة أمتار، فلم يرعني إلا والحوذي يجذب إليه أعنة الخيل ليوقفها، فعجبت من فعله وقلت له في ذلك، فقال : حتى يجوز «الترام»، فأهبت به أن امض أيها الرجل، فحين نبلغ موضع القطار يكون قد بلغ هو السبتية إن شاء الله!

أنا حر في أن أركب مركبة أو سيارة أو «تراما» أو حمارا مكارا (سكة)، أو أن أمشي على رجلي، هذا حق ثابت لي لا ينازعني عليه أحد، ولكن «عم» الأسطى خليل لا يسلم لي بهذا الحق، ولا يدع لي هذه الحرية، وإليك الحديث:

ناپیژندل شوی مخ