وإذا كان تاريخ الغناء العربي قد أحصى نفرا ممن عمروا فيه مع القوة وسلامة الصوت من أمثال إسحاق الموصلي وابن جامع، فقد امتاز الشيخ ندا عن أولئك جميعا بأنه أمضى جميع تنغيمه بذلك الجهد الشنيع، فهو بلا شك رجل في التاريخ عظيم ولولا أن الحديث قد طال لذكرت كثيرا من مفاخره في لياليه؛ وإن من حقه على معاصريه أن يثبتوها له على وجه الزمان.
وإني لأختم هذا الكلام بتصحيح واقعة أيضا رواها السيد التفتازاني عن الفقيد فيما أبنه به في الأهرام، فلقد روى أن الشيخ أحمد ندا انقطع بضع سنين إلى الغناء، وترك ترتيل القرآن! والواقع وأنا في هذا شاهد رؤية، أن الرجل لم ينقطع قط عن ترتيل القرآن والتكسب به، ولكن أتى عليه وقت كان إذا ختم تلاوته في حفلة عرس أو نحوه، جاءوه بعواد فاستوى إليه وجعل يتغنى ببعض المقطوعات، وكثيرا ما كان يرجع أبياتا من الشعر أذكر أن أولها:
4
عمري عليك تشوقا
قضيته وعزيز صبري
على أنه كان يتغنى على طريقته في القراءة، فكان غناؤه سخيفا مضحكا، وإن غناء القراء لأشبه بشعر الكتاب، كما أن تلاوة المغنين أشبه بنثر الشعراء؛ ومهما يكن من شيء فإنه لم يلبث في هذه المحنة طويلا، فلقد ترك الغناء بتاتا وتوافر على تلاوة القرآن الكريم. •••
هذه كلمة حق أرسلها خالصة لوجه الله تعالى، وفاء لحق التاريخ أولا، ولحق الصحبة الطويلة والجوار السعيد ثانيا.
وإني أسأل الله تعالى أن يثيب الفقيد العظيم بقدر حسناته، وأن يعزي هذه البلاد عنه أحسن العزاء.
غني يا ...!1
وحيا الله ...، وحيا صوتها العذب الرخيم.
ناپیژندل شوی مخ