بالمتخلف، واستحمسوا المتخاذل، وشد الجميع على قلب رجل واحد، وهل كان من المستطاع أن يصمد لهذا الجيش اللجب رجل واحد؟ لم يستطع المويلحي أن يثبت في الميدان، فأطفأ «المصباح»، وانسل إلى داره وقد ألقى يد السلام، واحتجب ولكن في انتظار الثأر وري الغلة بالانتقام!
ولقد تم للمويلحي من هذا بعض ما أراد أو كل ما أراد، فلقد كان ممن أثاروا الثائرة على الشيخ علي يوسف أيام حادث الزوجية المشهور، وفتح له في جريدة «الظاهر» بابا مثل ذلك الباب، واستدرج له أقلام الشعراء والكتاب، وواحدة لواحدة كفاء!
متى رأيت المويلحي وكيف اتصلت به؟
بين سنتي 1907 و1908، لا أذكر على التحديد، سألت صديقا حديث العهد بصداقتي، ولكن وده للمويلحي قديم، سألته وتمنيت عليه أن يجمع بيني وبينه، وما كان أبلغ دهشي واغتباطي حين قال لي: إن المويلحي قد طالعه بأنه يحب أن يراني، ولعله عرف بي من أيام كنت أرسل القول في الشيخ في فتنة الزوجية شعرا ونثرا، (وأسأل الله أن يغفر لي هذا)، وتواعدنا أن نذهب إليه في الأصيل.
وكان رحمه الله قد اتخذ مسكنه دارا من دور سعيد باشا نصر، تقع في أطراف العباسية يومئذ، وهذه الدار لا يعطي العين ظاهرها أكثر من منظر «حوش» في قرافة الإمام، فإذا جزت مداخلها انفرجت للعين حديقة واسعة قد عبدت طرقها تعبيدا، ونضدت أشجارها تنضيدا، وتأنقت يد البستاني في تسويتها وتنميقها، كما تأنقت يد الطبيعة في تشجيرها وتزويقها، فهذا الفل الوضيء الآلق، وهذا الورد المشرق الضاحك، وهذا النرجس تنبعث من عيونه الأسحار،
4
وهذا الياسمين لقد استحال تنفسا في ساع الأسحار.
5
ولقد أفرد زاوية من زوايا الحديقة للغزلان والطواويس وجماعات الطير من كل غرد صداح.
ويستقبلني رحمة الله عليه بالبشر والتأهيل والترحيب، وإذا بي إزاء رجل حنطي اللون، بين الطويل والقصير، والسمين والهزيل، مستطيل الوجه، عريض الجبهة، حاد العينين، مستوي الأنف، له فم قريب إلى الفوه في غير قبح ولا استكراه، إذا تمثل واقفا لمحت في ساقيه تقوسا خفيفا لعله دخل عليه من أنه عالج المشي قبل أن تصلب عظامه، وله إذا تحدث صوت لا أقول خشن، بل أقول جزل، فإذا أقبل على القراءة زر عينه اليسرى، فبان التكرش الشديد في معقد ما بين أعلى العارض وأسفل الجبين، وهذا التكرش لا شك كان من أثر السنين، وإن كان يخفيها في المويلحي شدة عنايته بصحته، وتكلفه ألوانا من علاج البدن بمأثور الوصفات، والتزام الحمية في كثير من الأوقات، وأخذ النفس بالراحة التامة ما تستثيره أزمة من الأزمات، ولا يستدرجه مجلس لهو، ولا تقنصه داعية لذة من اللذات؛ وبهذا تهيأ له أن يحيا في مثل نضرة الشباب إلى الممات.
ناپیژندل شوی مخ