ليس يدرى أصنع إنس لجن
سكنوه، أم صنع جن لإنس
وليس هذا بأول بدوي بهرته أسباب الحضارة فأشاع فيها الظنون! فلقد قرأت مثل هذا عن أعرابي لعله انحدر إلى بغداد في عهد العباسيين، وأقول «لعله» لأن عهدي بهذه القصة عهد طويل.
سيداتي، سادتي
أفرأيتم أن المصادفة، المصادفة وحدها، هي التي هيأت لي الحديث إليكم الليلة؟
وبعد، فإذا كان العجب لم يأخذ فينا بعض ما أخذ في ذلك الأعرابي حين طلع علينا هذا «الراديو» أول مطلعه، فذلك لأننا نعيش في حضارة ممدودة الرواق، مبسوطة الآفاق، وقد جازت بنا ألوان من المخترعات لم تكن تخطر على القلب، فوق أن المجموعة قد أحرزت على الأقل أطرافا من علوم الحياة تسلس لها في هذا وأشباهه وجوه الفهم والتعليل، إلى أن الأخبار تتقدم عادة بخروج هذه المخترعات وشيوعها فيطامن ذلك من الانبهار بها، ولو لم نصب شيئا من هذا لكنا وذلكم الأعرابي في تصور «الراديو» بمنزلة سواء!
ولقد يكون أبناء هذا العصر قد دخلهم شيء من العجب أو الدهش يوم أضاءت لهم الكهرباء، ويوم تغنى لهم الحاكي (أعني الفونغراف)، ويوم حلقت فوق رءوسهم الطائرات، ويوم غناهم «الراديو» وخطبهم وحدثهم، ولكن الطفل الذين درجوا وهذه الأشياء قائمة، لم يلحقهم منها - إن لحقهم - إلا يسير من العجب، بل لقد يحسونها من إحدى البسائط في وسائط الحياة، وهكذا كلما زكا العلم وربا واطردت الحضارة ببني الإنسان!
من مزايا «الراديو»
سيداتي، سادتي
دعونا الآن من العجب والدهش في حديث «الراديو»، فلم يبق لهذا موضع الآن، وصدق المثل: إذا عرف السبب بطل العجب، حتى إذا لم يعرف للأمر سبب، فإن ذلكم الانفعال ليسكن وحده بالإلف وطول الاعتياد، ومن حق «الراديو» علي بعد ذلك، وهو وسيلتي إليكم الآن، أن أتحدث عن شيء من آثاره؛ ولكنني لن أتحدث إلا يسيرا.
ناپیژندل شوی مخ