4 - وحدثني موسى بن مصلح المعروف بأبي مصلح -وكان هذا من الثقات عند أحمد بن طولون-.
أن أحمد كان يراعي أمر المحبوس حتى يمضي له حول، فإذا جازه لم يذكره. وكان يقول لي سرا: ((إذا تبينت من رجل براءة ساحة فسهل عليه واستأمرني؛ فإني أستعمل التشدد للضرورة إليه)).
قال موسى بن مصلح: ((وكان في الحبس رجل قد زاد على سنتين منقطعا إلى الله برغبته؛ لا يسألنا شيئا من أمره؛ وهو يكب على الصلاة والتسبيح والتضرع إلى الله.
فقلت له يوما: ((الناس يضطربون في أمورهم؛ ويسألوني إطلاق الرقعة إلى ذوي عناياتهم؛ وأنت خارج عن جملتهم؟))، فجزاني خيرا. ورق قلبي عليه وكبر في نفسي محله، فخلوت به وقلت له: ((لو استجزت إطلاقك بغير إذن لفعلت؛ ولكن استعن بي في أمرك)). فقال: ((والله ما أعرف في هذا البلد #11# غير أبي طالب الخليج- وكان هذا الرجل يتولى شرطتي أحمد بن طولون بمصر -ولو وصلت إليه سرا؛ أو برسالة مع من يفهم، لرجوت تسهيل أمري)) فقلت له: ((والله لآتين في أمرك ما أخطر به على نفسي. أنا أطلقك سرا على أن توثقني بأيمان محرجة أنك لا تهرب عني ولا تخفرني))، فقال: ((إذا كنت عندك بمنزلة من يشك فيه؛ فلا حاجة لي بإخراجك إياي)). فوافقته -من غير يمين ارتهنته بها- على أن يقيم ثلاثة أيام، فأطلقته ليلة الجمعة، وفارقته على أن يصير إلي ليلة الاثنين.
فلما كان سحر يوم السبت، وافاني كما فتحت باب السجن، فلما دخل سجد وحمد الله، وقال لي: ((بعثت إلى أبي طالب الخليج امرأة من أهلنا وطويت عنه إطلاقي، وسألته أن يلطف في أمري فوعد بذلك، وخلف المرأة حتى ترجع إلي بالجواب. وركب إلى الأمير عشية الجمعة، فأقام إلى قريب من العتمة، ثم انصرفت إلى المرأة فقالت: ((وافى أبو طالب الأمير وهو مغموم، فقال لي: ((كلمته فيه فقال: ((والله لقد أذكرتني رجلا يحتاج إلى عقوبة!))، ثم تقدم إلى رجل أن يصير بك إليه عند جلوسه في يوم السبت، ووجه إلي أن أرجع إلى الله عز وجل في أمرك، فليتني لم أتكلم فيك!)). فسحرت -مع ما تيقنته في أمري- خوفا أن يأتيك رسوله فلا يجدني، فيلحقك مكروه منه. ورأيت كل ما يوعدني به أسهل علي من أن أخفر ظنك بي، وتقديرك لي)).
فما ترجل النهار حتى وافى الرجل فتسلمه مني. وحضرت الدار -وقد #12# أحضره أحمد بن طولون، ومجلسه بين الخاص والعام - فلما رآه بكته بالإجلاب عليه في الثغر، فاعتذر بعذر قبله، ولقيه بالرأفة، بضد ما خفته عليه، وأطلقه فكان من آثر إخواني عندي إلى أن فرقت الأيام بيني وبينه)).
مخ ۱۰