25 - وحدثني أحمد بن سقلاب، قال:
((كان بمصر رجل من الفقهاء مشهور الاسم، وله حلقة عظيمة بالجامع. #44# فبينا هو في صدرها إذ وافى علان بن المغيرة، فلما رآه مقبلا نحوه قام إليه على رجليه، ثم خطا إليه حتى لقيه، فأكثرت الجماعة قيام شيخ مثله إلى حدث مثل علان، وتحفيه به، وعرض نفسه عليه، وأنه لم يدع شيئا يفعله تابع بمتبوع إلا بذله، وأسررنا الموجدة عليه. فلما قام علان قال لجماعتنا: ((ما أعلمني بما أضمرتم! ولكني أريكم عذري فيما خرجت إليه:
((كانت عندي ألف دينار وديعة لرجل بالمغرب قد طال مقامها، وطالب زوج ابنتي بإدخال امرأته عليه، فجلست أمها بحضرتي فقالت لي: ((ما الذي تراه فيما قد ألح فيه هذا الرجل؟))، فقلت لها: ((نستعمل فيه التجوز))، فقالت لي: ((لنا حساد نخاف شماتتهم، ولا بد من أن تعينني على التجمل))، فقلت: ((إن كان ما تريدين في قدرتي لم أبخل به عليكم)). قالت: ((هو في قدرتك!)) قلت: ((ما هو؟))، قالت: ((تمكنني من هذه الوديعة، ونحتاط فيما نبتاعه من الجهاز حتى يصل إلينا ثمنه في أي وقت أردناه، وندخل هذه الصبية على زوجها. فإن جاء صاحب الوديعة بعنا ما اشتريناه ولم نوضع فيه إلا ما يسهل علينا غرمه))، قلت: ((هذا قبيح عند الله وعند خلقه!)). فلم تزل تلح بي وتحتال علي، حتى أجبتها. فجهزت ابنتها بجميع المال، وأدخلتها على زوجها.
فلم يمض بنا بعد ذلك إلا شهران حتى وافى صاحب الوديعة يطلبها، فقلت لها: ((ما تفعلين؟))، فقالت: ((أمضي فأحمل المتاع وأبيعه)). فمضت إلى ابنتها ورجعت إلي، فقالت: ((لا تشغل نفسك بهذا المتاع، فقد حلف زوجها بطلاقها أنه لا يخرج منه شيء عن منزله))، فسقط في يدي، ورأيت الفضيحة في الدارين متصدية لي، فوضع إفطاري بين يدي فلم أطعم، واعتراني ما خفت #45# منه على عقلي، وبت بليلة ما بت بمثلها، وأنا أتبين سهولة ذلك على زوجتي في جنب ما أحرزته لبنتها. ثم انتبهت قبل الفجر بمنازل، فصحت بالغلام ((أسرج لي!)) فقام وأسرج، وقال: ((يا سيدي! أين تمضي؟))، فقلت: ((ليس لك الاعتراض علي)).
وركبت وسرت بطوع عناني، فلم يزل بغلي يسير حتى دخلت زقاق علان ابن المغيرة، فوقفت على باب داره، وصاح الغلام بالبواب وعرفه بموضعي. فسمعت حركة في داره، ثم فتح الباب وأذن لي بالدخول. فدخلت عليه، فوجدت بين يديه شمعة وهو يكتب جوابات كتب وكلائه. فلما رآني قام إلي، وقال لمن حضره من الغلمان، ((تنحوا!))، وأقبل علي فقال: ((والله لو بعثت إلي لسرت إليك ولم أجشمك السعي إلي، فاشرح لي أمرك))، فغلبتني العبرة وحالت بيني وبين الكلام، فما زال يسكنني حتى نصصت له إنفاق الوديعة، وهو مغموم بأمري. ثم قال: ((فكم هذه الوديعة؟))، فقلت: ((ألف دينار!))، فضحك، وقال: ((فرجت والله عني! ما توسمت أني أملكها، فكان الغم يقع بها، فأما وهي في القدرة فما أسهلها علي، وأخفها لدي!))، ثم قال لغلامه: ((جئني بتلك الصرار التي وردت علينا من المغرب في هذا الشهر))، فجاء بأربع صرار فنظر فيما عليها وجمعه وقال: ((هذه ألف دينار وخمس مائة دينار، ألف للوديعة، وخمس مائة تصلح بها ما بينك وبين من عندك))، ثم قال لي: ((متى أشكر إفرادك إياي -بعد الله عز وجل ذكره- بتأميلي في حادثة حدثت عليك، فأعانني الله على مكافأتك؟)). وأضاف إلي من خفرني إلى منزلي)).
فقالت الجماعة: ((قد سمعنا عذرك، وعلينا عهد الله إن لقيناه أبدا إلا قياما)).
مخ ۴۳