14 - قال:
((وطالبني بعض عمال الخراج بمصر بمال زاد على ما في حاصلي؛ فاحتجت إلى معاملة بعض التجار عليه؛ فدللت على رجل من أهل الشام يعامل برهون؛ فصار إلي -وأنا في بيت المال- منه شيخ حسن الصورة جميل اللقاء، فقال: ((إلى كم تحتاج؟)) قلت: ((إلى مائتي دينار)). فأخرج من كمه مالا فوزنه، واستزاد من غلام كان معه دنانير حتى أكمل المائتين، ثم سلمها إلي واقتضاني خطا بها، وقال: ((قد كفيت مؤونة الرهن))، فقلت: ((فكيف أكتب الخط؟)) قال: ((بمائتي دينار كما أعطيتك))، فقلت له: ((سبيل المعاملة غير هذا!))، فقال: ((والله لا قبلت منك فيها ربحا، ولو وهبتها لك لكان من أصغر حقوقك علي))، ثم قال لي: ((تعرفني؟))، قلت: ((لا!)).
قال: ((ركبت مركبا أريد الفسطاط من تنيس، وحملت فيه تجارة لي #27# ما كنت أملك غيرها، حتى إذا بلغت المحلة، ووازيت ضياعا كانت في يدك، كسر بنا، وغرق جميع ما أملكه، وسلمت بحشاشة نفسي، فجلست على الشط أبكي وأنتحب، فأقبلت في جماعة معك فسألتني عن حالي فأخبرتك بها، فبثثت في حشد من يغوص على المركب وما فيه وحططت على الشط، فأخرجوا بزا كان لي وتلف ما سواه؛ واستحلفتني على ما ذهب لي فأخبرتك به -وكانت قيمته سبعين دينارا- فقسمتها لي على وكلائك وكتابك فلما حصلت لي أعطيتني دنانير من عندك وقلت لي: ((هذا أرش ما لحقك في الثياب))، وأمرت أن يكترى [لي] إلى تنيس، وكتبت لي إلى جماعة معامليك بتنيس بما لحقني، وبمعونتي على أمري، فرجع بك إلي ما أملك، واكتسبت جاها بتنيس تضاعف مالي به، وحسنت معه حالي)).
((وأخذ خطي بالمال وانصرف)).
مخ ۲۶