مجمل تاريخ دمیاط : سیاسیا و اقتصادیا
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
ژانرونه
أو إنشاء ترعة جديدة تخترق البر غربي جنوبي طابية الشيخ يوسف وتصب في البحر الأبيض المتوسط غربي رأس البر الحالية، لتكون بمثابة مصب جديد ومدخل صالح للسفن الكبيرة.
وحوالي نفس الوقت قدم المهندس المصري الكبير أحمد راغب بك مشروعا آخر لحفر ترعة ملاحية عبر بحيرة المنزلة، يقوم على ضفتيها طريقان يصلان بين دمياط وبورسعيد، والمشروع عظيم جدا ويحقق الأهداف المطلوبة من إحياء ميناء دمياط وربطها بالعالم الخارجي وبداخل القطر، وقد فصل راغب بك الحديث عن مشروعه ومزاياه في كتاب ضخم مزود بالخرط والإحصاءات والصور الإيضاحية أصدرته جمعية المهندسين الملكية.
ومع هذا كله فإن الحكومة لم تأخذ باقتراحي الخبراء ولا باقتراح راغب بك، وأنشأت طريقا بريا يصل بين بورسعيد ودمياط، ويمر في معظمه بالجزر المتناثرة في بحيرة المنزلة، وقد أثبتت الحوادث والسنون عيوب هذا الطريق، وأنه لم يحقق الأغراض التي أنشئ من أجلها، فعسى أن تعني الحكومة من جديد بإعادة التفكير في مشروع راغب بك والعمل على تنفيذه؛ فهو في نظرنا خير المشروعات التي قدمت حتى اليوم لإحياء ميناء دمياط وإعادتها إلى سابق مجدها التجاري الخارجي.
التاريخ الصناعي
وقد اشتهرت دمياط في كل العصور بأنها كانت مدينة صناعية هامة، وامتازت خاصة بصناعة النسيج. والنصوص التي وصلتنا عن ازدهار هذه الصناعة في دمياط وما جاورها ترجع في معظمها إلى العصر العربي، غير أننا نستطيع أن نقول واثقين: إن دمياط ومنطقتها اشتهرت بصناعة النسيج منذ عهد الفراعنة، وإن هذه الصناعة كانت قائمة بها في العصرين اليوناني والروماني، وما ازدهارها في العصر العربي إلا استمرار وتقدم لما كانت عليه في العصور السابقة، ودليلنا في هذا أن منطقة دمياط من أصلح المناطق لقيام صناعة النسيج؛ فهذه الصناعة تحتاج إلى جو معتدل وافر الرطوبة، وهي غالبا تقوم في المدن المجاورة للمجاري المائية، لحاجة هذه الصناعة للماء، ولأن هذه المجاري المائية تكون عادة وسيلة سهلة ورخيصة لنقل منتجات مصانع النسيج إلى مختلف الأسواق. وهذه الشروط جميعا كانت تتوافر في دمياط والمنطقة المحيطة بها منذ أقدم العصور.
ويؤكد رأينا أيضا أن معظم المؤرخين العرب يشيرون إلى أن القائمين بهذه الصناعة في دمياط والمدن المحيطة بها في العصر العربي الأول كانوا في معظمهم من الأقباط سكان البلاد الأصليين، فهم كانوا أصحاب هذه الصناعة المهرة فيها، ثم ظلوا القائمين عليها بعد الفتح العربي بقرون.
وقد ساعد على قيام صناعة المنسوجات في منطقة دمياط قرب المادة الخام ووفرتها - وهي الكتان - فقد كانت منسوجات هذه المنطقة كلها من الكتان، إلا أن يدخل في نسجها خيوط من الحرير أو الذهب أو الصوف. والكتان كان يزرع بوفرة - في تلك العصور - في أراضي شرق الدلتا أو الفيوم.
ونمت هذه الصناعة وازدهرت ازدهارا عظيما في العصر العربي في مدينة دمياط والمدن المحيطة بها في بحيرة المنزلة وحولها ، وخاصة: شطا وتنيس ودبيق وتونة وبورة ودميرة، وكانت كل مدينة من هذه المدن تختص بإنتاج نوع بعينه من المنسوجات، فدمياط تنتج المنسوجات البيضاء وحدها، وتنيس تنتج المنسوجات الملونة بألوانها المختلفة، ودبيق امتازت بالمنسوجات الصفيقة المتينة ... وهكذا.
ولهذا نسب كل نوع من هذه الأقمشة إلى المدينة التي تنتجه وشهر بها؛ فنسمع في كتب المؤرخين عن: القماش الدبيقي والدمياطي، والثياب الشطوية ... إلخ، وإن لم يمنع هذا من أن بعض هذه المدن كانت تصنع الثياب المشهورة بصنعها البعض الآخر.
هذه الحقائق كلها يرددها المؤرخون والرحالة من العرب وغير العرب منذ القرن الثاني للهجرة، فابن حوقل - وهو من جغرافيي القرن الرابع - يقول: «تنيس ودمياط ... وبهما يتخذ رفيع الدبيقي والشرب والمصبغات من الحلل السنية التي ليس في جميع الأرض ما يدانيها في الحسن والقيمة ... وضياعها شطا ودبق ودميرة وتونة وما قاربها من تلك الجزائر، يعمل بها الرفيع من هذه الأجناس.» ثم نص على أن نسج تنيس ودمياط كان يفوق نسيج هذه المدن والقرى جميعا، فقال: «وليس ذلك بمقارب للتنيسي والدمياطي.»
ناپیژندل شوی مخ