وقد تكلم قوم من أهل التوحيد فقالوا: إن قول أهل الدهر لم تزل الأشياء تحدث قول محال فاسد متناقض؛ لأن قولهم لم تزل يبطل الحدوث، وقولهم: تحدث يبطل لم تزل، والقول إذا كان فيه (¬1) إثبات شيء، وفيه صار باطلا فاسدا متناقضا، وقد ضرب قوم من أهل التوحيد مثلا لقول أهل الدهر حين قالوا: إن هذه الأشياء التي تحدث شيئا بعد شيء، وشيئا قبل شيء، وأنه لا يقع شيء منها، ولا يحدث إلا وقبله شيء آخر فقالوا: إن مثل قول (¬2) أهل الدهر في ذلك كمثل من قال: إن زيدا لا يدخل هذا الدار حتى يدخل قبلها (¬3) دارا غيرها، ولا يدخل تلك الغير حتى يدخل قبلها غيرها، ولا يدخل الثالثة حتى يدخل قبلها الرابعة، ولا يدخل الرابعة حتى يدخل الخامسة قبلها، إلى ما لا ينتهي، فقالوا: إنه يبطل ويفسد أن يدخل شيئا من هذه الدور أبدا، (¬4)
¬__________
(¬1) - سقط من (ب) لفظ (فيه).
(¬2) - في (أ) بزيادة لفظ (قول).
(¬3) - سقط من (ب) لفظ (قبلها).
(¬4) - الأبد: لا يثنى ولا يجمع، والآباد مولد الآبدين، وأبد الآبدين معناه: دهر الداهرين وعصر الباقين، أي يبقى ما بقي دهر وداهر.
وآخر الأبد: كناية عن المبالغة في التأبيد، والمعنى: الأبد الذي هو آخر الأوقات. راجع كليات أبي البقاء.
مخ ۹