أما أحدها: فإنا نظرنا في هذا العالم فوجدناه صنفين لا ثالث لهما: إما جسم، أو عرض صفة له، ثم نظرنا في العرض فإذا هو صفات متضادة، متعاقبة في الجسم، فقلنا: لا تخلو هذه الأشياء من أن تكون قديمة أو محدثة، فبطل أن تكون قديمة، لكونها متعاقبة في الجسم (¬1) آتية وذاهبة، وليس في إتيان الآتي منها أكثر من حدوثه، ولا في ذهاب الذهاب أكثر من بطلانه وفنائه، وبطل أن تكون هذه الأشياء مجتمعة مع تضادها في الجسم بحال واحدة، لبطلان الوصف له بها في حال واحدة، ولو كان الأمر كذلك لجاز أن يسمى الجسم مجتمعا متفرقا، ومتحركا ساكنا، مع سائر تلك الصفات في حال واحدة، فلما بطل الوصف للجسم بهذه الأشياء المتضادة (¬2) في حال واحدة ثبت أن بطلان ما بطل منها لم يبطل إلا بحدوث ضده، وإن ما حدث منها لم يحدث غلا بفناء ضده وبطلانه، فلما كان الأمر هكذا علمنا أن تلك الأشياء بجميعها محدثة كائنة، بعد أن لم تكن، ونظرنا في الجسم فوجدناه لا يخلو من هذه الأشياء المحدثات ولا ينفك عنها، ولا يوجد قبلها ولا بعدها، ولا يوجد إلا وهي معه، ولو أن متوهما توهم الجسم غير مجتمع ولا متفرق ولا متحرك ولا ساكن كان قد توهم ضربا من المحال فاسدا، ووجها من الخطأ مضمحلا؛ لأنه إذا توهم ذلك توهم بطلان وجوده، وفساد كونه، والله ولي التوفيق.
¬__________
(¬1) - الجسم: جوهر بسيط لا تركيب فيه بحسب الخارج أصلا، وهذا عند أفلاطون، فإنه لم يقل إلا بالصورة الجسمية، وأما عند أرسطو فالجسم مركب من حال ومحل، فالحال هو الصورة، والمحل هو الهيولى.
(¬2) - الضدان في اصطلاح المتكلمين: عبارة عما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة، وقد يكونان وجوديين كما في السواد والبياض، وقد يكون أحدهما سلبا وعدما، كما في الوجود والعدم، والضدان لا يجتمعان لكن يرتفعان، كالسواد والبياض، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، كالوجود والعدم، والحركة والسكون. المعجم الفلسفي.
مخ ۵