أن رجلا من هؤلاء المساكين أتى إلى رجل ليناظره في هذا المعنى على بغلة له، قال أبو عيسى: فعمدوا إلى البغلة فغيبوها، فلما أحب الانصراف دعا بالبغلة، فقيل له: لم تأت إلينا بالبغلة، فقال لهم: بل أتيتكم بها، فقالوا: بل لم تأتنا بها، فقال: بل أتيتكم بها، فقيل له: ثبت فيما قلت، لعلك أيها الرجل لم تأت على بغلة، فقال لهم: قد ثبت، وعلمت أني أتيت على بغلة بلا شك، ولا مرية، فقيل له: أعلى الحقيقة كان ذلك أم على غير الحقيقة؟ فقال: بل على الحقيقة، فقالوا: أفيكون شيء ويثبت على الحقيقة؟ قال أبو عيسى: فأقر عند ذلك بالحقائق، ورجع عن القول بالسفسطة. (¬1)
الأصل الثاني من أصول الملحدين وهو قول الثنوية (¬2) :
¬__________
(¬1) - ذكر بعض المتكلمين أن السوفسطائية ثلاثة أصناف: فصنف منهم نفى الحقائق جملة، وصنف منهم شكوا فيها، وصنف منهم قالوا هي حق عند من هي عنده حق، وهي باطل عند من هي عنده باطل. راجع كتاب الفصل 1/43.
ولقد رد ابن حزم عليهم فقالوا: يقال للشكاك منهم _وبالله تعالى التوفيق_ أشككم موجود صحيح منكم أم غير صحيح ولا موجود...؟ فإن قالوا: هو صحيح منا أثبتوا أيضا حقيقة "ما"، وإن قالوا: هو غير موجود نفوا الشك وأبطلوه، وفي إبطال الشك إثبات الحقائق أو القطع على إبطالها. المصدر السابق ص 44.
(¬2) - يرى ابن حزم الثنوية من المجوس الذين يرون أن الباري تعالى هو "أورمن"، و"إبليس" وهو "اهرمن"، و"كام" وهو الزمان، و"جام" وهو المكان، وهو الخلاء أيضا، و"توم" وهو الجوهر، وهو أيضا "الهيولي"، وهو أيضا "الطينة"، و "الخميرة" خمسة لم تزل، وأن "اهرمن" هو فاعل الشرور، وأن "أورمن" فاعل الخيرات، وأن "توم" هو المفعول فيه كل ذلك.
ويقول ابن حزم: وقد أفردنا كتابا في نقض كلام محمد بن زكريا الرازي الطبيب في كتابه الموسوم "بالعلم الإلهي". راجع كتاب الفصل 1/ 86.
= ويرى النهانوي: أنهم فرقة من الكفرة يقولون بأثنية الآلهة، ووافق في ذلك ما كتبه عضد الدين الإيجي في كتابه المواقف، وما كتبه الجيلي في كتابه "الإنسان الكامل". راجع ما كتبه علي سامي النشار في كتابه الفكر الفلسفي في الإسلام ج1، وكشاف اصطلاحات الفنون 1/178، 179.
مخ ۳۳