... أما قولهم في أن الأرض لم تزل (¬1) ، فقد أنبأنا (¬2) عن فساد أقاويل أهل الدهر جميعا، في كل ما قالوا فيه أنه لم يزل، وأبطلنا جميع ما تعلقوا به من ذلك، بما قصصنا (¬3) من الشواهد والأعلام، وأثبتنا حدوث العالم بما فيه من سماء وأفلاك وأرض وحيوان، بما يغني عن تكراره في هذا الموضع.
... وأما قولهم في الأرض أنها تهوي وتنحدر، فإن بعض المتقدمين من أهل العلم سألهم في ذلك عن مسألة كشف بها عوراهم (¬4) ، وأفحمهم بأن قال لهم: أخبرونا عن الأرض ألستم إنما زعمتم أنها تهوي لثقلها ورزانتها؟ فقالوا: بلى، فقال لهم: أي شيء أثقل وأرزن، الأرض بجبالها وأكنافها وصخورها ورمالها وما فيها وعليها، أو ريشة من الريش؟ فقالوا: بل الأرض أثقل وأرزن من الريشة، فقال لهم: ما بال الريشة إذا ألقيت من أعلى جبل مشرف، أو من فوق سطح عال، تصل الأرض وتلحقها ولم تفتها الأرض فتسبقها، إذا كانت أرضكم هذه ترسب وتهوي؟ فسكتوا عند ذلك ولم يحيروا جوابا.
... ثم يقال لهم: ألستم ترون الريح تحمل شيئا ثقيلا تقله في الهواء؟ فيقولون: بلى، فيقال لهم: ما أنكرتم مع هذا أن يكون شيء أقوى من الريح من تحت الأرض، يقل الأرض ويرفعها، فلم قلتم: أنها تهوي سفلا، دون أن تقولوا: ترتفع صعودا؟
¬__________
(¬1) - حصر ابن حزم اعتراضات القائلين: بأن العالم لم يزل، وأنه لا مدبر له في أربعة اعتراضات، ورد عليها جميعا، وأفسد تصوراتهم، وأبطل حججهم. راجع كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" بتحقيقنا 1/4755.
(¬2) - في (ب) أبنا فساد بدلا من (أنبأنا عن فساد).
(¬3) - في (ب) قدمنا بدلا من (قصصنا).
(¬4) - العوار: العيب، يقال: سلعة ذات عوار، والعوراء بوزن العرجاء : الكلمة القبيحة، وهي السقطة.
مخ ۲۹