من حر وبرد، ويبس ورطوبة، فيقال لهم: أخبرونا عن هذه الطبائع أحيوان هي أم موات؟ فيحيدون عند ذلك عن الجواب، فلا يقولون حيوان ولا موات، ولا يجيبون إلا بمثل هذيان وتخليط، ويقولون: إن الطبائع إذا امتزجت بضرب من الامتزاج تكون عند امتزاجها صفة كذا، وإذا امتزجت بضرب آخر من الامتزاج يخالف الامتزاج الأول تكون عند ذلك الامتزاج شيء بخلاف الصفة الأولى، قيل لهم: فإنا نظرنا إلى هذه الصنائع التي تكون منا من: الحياكة، والصبغ، والصياغة، والبناء، وضرب النقش، وما يشبه ذلك فوجدناه لا يقع، ولا يكون إلا ممن به حياة وعلم وقدرة، ولا تتكون عن طبيعة ما أبدا، فلم جعلتم ما هو أعجب من ذلك صنعا من تأليف الحيوان، وتركيبه، وزيادته، ونقصانه، ونموه، وتناسله، وغير ذلك من صنوف عجائب التدبير، يكون بالطبائع، من غير حياة ولا علم ولا قدرة؟ وفي فساد تكون ما هو دون ذلك من صنائع، ووقوعه عن الطبائع بطلان تكون ما هو أعجب من ذلك صنعا، وألطف منه حكما عن الطبائع.
ثم يقال لهم: أخبرونا عن هذه الألوان التي توجد في الأشياء: من بياض وحمرة وسواد وصفرة وخضرة، أعن طبائع تكونت؟ فإن قالوا: نعم: قيل لهم: فما بال الأبيض منها نجده حارا تارة، وتارة باردا، فنجد الأسود يابسا تارة، وتارة لدنا، ونجد الأبيض حلوا تارة، وتارة حامضا، والأسود حامضا تارة، وتارة حلوا، وتختلف في اللون والطعم، وتتفق في الحرارة والبرودة، وفي اليبس واللدونة، فهلا كان الحامض حيث ما وجدناه رطبا أو يابسا، والأبيض حيث ما وجدناه حارا أو باردا؟ وفي وجودنا اتفاق هذه الألوان، وهذه الطعوم، على غير اتفاق الطبائع التي ذكرتم، ووجودنا اختلاف هذه الألوان، وهذه الطعوم على غير اختلاف الطبائع التي بنيتم عليها تكون الأشياء فساد القول بالطبائع.
مخ ۲۲