فسمى هذه المعاني التي يسأل عنها المؤمنون رسول الله أشياء، مع أنكم قد غلطتم في أصل علتكم في شيء وجسم أنتم وهؤلاء المشبهة؛ وذلك إنكم وإياهم قد اجتمعتم على أن معنى شيء معنى جسم، ومعنى جسم معنى شيء، فلما اتفقتم على ذلك أبيتم أنتم أن تقولوا: إن الله شيء، حتى لا يكون جسما، وقالوا هم إن الله جسم إذ كان شيئا، فعمدتم جميعا إلى علتين مختلفتين غير متفقتين، متباينتين غير مشتبهتين، فجعلتموهما علة واحدة حين قلتم: إن علة كون الشيء شيئا أنه جسم، وعلة كون الجسم جسما أنه شيء، فأبطلتم أنتم بذلك عن الله الشيئية، وأثبتت المشبهة بذلك لله الجسمية، حتى لا تفرقوا أنتم ولا هم بين شيء وجسم، فيجب عليكم معشر الجهمية (¬1) لما ثبت بالدليل أن الله شيء أن تقولوا: إنه جسم، لئلا تفرقوا بينهما، ويلزم المشبهة حين ثبت بالدليل أن الله ليس بجسم أن يبطلوا عنه أن يكون شيئا، فحينئذ ترجع المشبهة جهمية، والجهمية مشبهة، وهذا الفساد كله إنما أتى من قبل فساد العلة، والبنيان على غير الأس، ولو أنكم بنيتم على الأس وعملتم على صحة العلم، فقلتم إن العلة في شيء غير العلة في الجسم، فجعلتموها علتين متفرقتين متباينتين، فقلتم: إن العلة في شيء ما كان موجودا أو موهوما مخبرا عنه موصوفا، والعلة في الجسم ما كان متجزيا، مسدسا، مصرفا، منصفا، محتملا للزيادة والنقصان، مقارنا للحركة والسكون، ذا قدر من الأقدار، وهيئة من الهيئات، لكنتم إنما بنيتم على الأس، وعملتم على صحة العلة.
¬__________
(¬1) الجهمية: أتباع جهم بن صفوان، الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، وأن الكفر هو جهل به فقط. أنظر في شأن هذه الفرقة: التبصير ص62، والملل والنحل1: 86، والفرق بين الفرق 211، وراجع ميزان الاعتدال في ترجمة جهم 1482.
مخ ۱۹۰