إلى آخر القصة، هل هو عالم بما أخبر به من ذلك، أم هو غير عالم به؟ فإن قالوا: غير عالم به، قلنا: فالمخبر عما لا يعلم أنه يكون أو لا يكون بأنه يكون، أيس هو أكذب الكاذبين؟ والذي قال هؤلاء الضعفاء ترك لنص القرآن مواجهة مع ما يلزمهم في قولهم إن علم الله محدث، بأن يقال لهم: لا يخلو هذا العلم المحدث من أن يكون الله هو الذي استحدثه لنفسه، أو يكون غير الله أحدثه لله، فإن كان الله هو الذي استحدثه لنفسه فهو من قبل أن يستحدثه جاهل، والجاهل لا يستحدث علما ولا غير علم، وإن كان غيره استحدثه له فالذي استحدثه له أولى بالربوبية والعلم منهن _تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا_، ولما بطل أن يوصف الله جل جلاله باستحداث العلم بطل كذلك ما ذهبوا إليه من وصفهم إياه بالبداء، وإن هم سألونا عن معنى قول الله: {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} (¬1) ، {ولما يعلم الله الذين جاهدوا (¬2) منكم ويعلم الصابرين}، {ولنبلونكم حتى نعلم} (¬3) ، {وسيرى الله عملكم ورسوله} (¬4) ، قلنا: معناه عن أهل التفسير حتى يكون ما علمه منهم موجودا، ويراه كائنا كما علمه قبل حال وجوده، أي يراهم فاعلين، ويعلمهم فاعلين، و _حتى_ و _اللام_ عندهم واقعتان على المعلوم لا على العلم، وهذه المقالة أوهن الأقاويل شوكة، وأدحضها حجة، والحمد لله.
¬__________
(¬1) سورة الحديد آية رقم 25.
(¬2) سورة آل عمران آية رقم 142، وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة، وقد أشار الدكتور الطالبي إليها في الهامش.
(¬3) سورة محمد آية رقم 31.
(¬4) سورة التوبة آية رقم 94.
مخ ۱۸۷