وكذلك إن سألوا وقالوا: ما أنكرتم أن يكون الله جل جلاله يحدث لهم في المعاد حاسة سادسة، فيكونون يدركونه بها؟ قلنا: هذا ومثله من المسألة الأولى، فإن كنتم أردتم أن تكون هذه الحاسة السادسة على معنى الإبصار وعلى صفتها فقد أنبأناكم أولا بأن الأبصار مقصورة على درك الألوان، والأشخاص مطبوعة على أنها لا يكون منها إلا ذلك، وإن أردتم أن تكون الحاسة المستحدثة لهم بخلاف صفة الإبصار فقد أبطلتم عنها أن تكون ترى وتبصر، وفي إبطالكم عنها ذلك إبطال لقولكم، ويقال لهم: خبرونا لأية علة صار معبودكم لها يرى في دار المعاد ولا يرى لها في دار الدنيا، أللذات كان ذلك أم للخبر؟ فإن قلتم للذات، فالذات لا تتغير، وإن قلتم للخبر قلنا: وما ذلك الخبر؟ فإن قلتم: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة} (¬1) قلنا: فهذا الخبر عندكم إنما هو للرؤية في المعاد، وأين الخبر الذي لا يرى له في دار الدنيا؟ فلستم تجدونه إلا أن يقولوا هو قوله: {لا تدركه الأبصار}، فإذا قلتم ذلك قلنا: أهذا الخبر خبر عن الذات، أم خبر عن وقت دون وقت؟ فإن قلتم خبر عن الذات فقد قلتم: إن الذات لا تتغير، إذ كان في تغير الذات تغير من صفة القديم إلى صفة المحدث، فإن قلتم: خبر عن وقت دون وقت فيلزمكم أن تقولوا بمثل ذلك في جميع ما أخبر الله به عن نفسه، ودل عباده عليه في صفته، من قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} (¬2) ، {ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} (¬3) ، {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في والأرض} (¬4) ، {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} (¬5) ، {لا يجليها لوقتها إلا هو} (¬6)
¬__________
(¬1) سورة القيامة آية رقم 23.
(¬2) سورة البقرة آية رقم 255.
(¬3) سورة البقرة آية رقم 255.
(¬4) سورة سبأ آية رقم 3، وجاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة، حيث قال: "ولا" بزيادة (الواو).
(¬5) سورة الأنعام آية رقم 59.
(¬6) سورة الأعراف آية رقم 187..
مخ ۱۸۲