... فإن قال: وما يدريكم أن محدث هذه الأشياء واحد؟ ولعل محدثها اثنان أو أكثر من ذلك، قيل له: لا يخلو محدث الأشياء بعدما ثبت أنه غيرها من وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون واحدا كما قلنا، أو أكثر من واحد، ويبطل أن يكون أكثر من واحد من قبل، أنه لا يخلو أن يكون جميعا موصوفين بصفة واحدة متفقة، أو يكون كل واحد منهما موصوفا بصفة غير صفة صاحبه، فإنا كانا جميعا موصوفين بصفة واحدة متفقة فهذا معنى الواحد، وليس لذكر الاثنين أو أكثر من اثنين وجه، وإنما ذلك عبارة بلفظ الاثنين عن معنى الواحد، أو يكون كل واحد منهما موصوفا بغير صفة صاحبه، فالخارج منهما عن صفة القديم المحدث للأشياء غير مستحق أن يحدث شيئا، فلما بطل عن هذا أن يكون يحدث شيئا ثبت أن محدث الأشياء هو الموصوف بصفة القديم الخارج عن صفة المحدث.
لقد تكلم قوم من أهل التوحيد في هذا الباب بكلام قريب من هذا المعنى فقالوا: لا يخلو الاثنان من وجهين: إما أن يكونا متفقين أو مختلفين، فإن يكونا متفقين؛ فهو الذي قلنا من إثبات الواحد، وإن كانا مختلفين؛ فالمخالف منهما لصفة الربوبية غير مستحق لأن يحدث شيئا، وثبت أن إحداث الأشياء لواحد قديم ذلك الله رب العالمين.
وقالوا أيضا في فساد القول بالاثنين (¬1) ،
¬__________
(¬1) - وقال الله تعالى: {لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحد فإياي فارهبون} (سورة النحل:51)، لقد أمر الله ألا يتخذ إلهين اثنين، إنما هو إله واحد لا ثاني له، وهو كذلك مالك واحد {وله ما في السماوات والأرض} (سورة النحل:52)، (وله الدين واصبا) (سورة النحل:52)، أي واصلا منذ ما وجد الدين، فلا دين إلا دينه، ومنعم واحد {وما بكم من نعمة فمن الله} (سورة النحل:53).
وهكذا ينفرد سبحانه وتعالى بالألوهية، والملك، والدين، والنعمة والتوجه.
مخ ۱۶