فقد تضاد عليه أمران يوجد كل واحد منهما بعدم صاحبه، ويعدم بوجوده، فقد صار الجسم بذلك لا يخلو من هذين الحادثين ولا ينفك منهما، فذلك يوجب حدوثه إذا كان ما لم يسبق الحادث فهو حادث مثله، فقد عاد الأمر الذي هربوا منه بحاله في الدلالة على حدوث الأجسام، وقد كان بعض أهل العلم من المتقدمين سألهم في هذا الباب عن مسألة فقال لهم: أخبروني عن شيخ رأيتموه قاعدا بحضرتكم ذا شيبة، تزعمون أنه لم يزل على ما شاهدتموه عليه في تلك الحال، أم قد كان طفلا، ثم نشأ ثم شب، ثم شاخ؟ فإن قالوا: لم يزل على ما شاهدناه عليه من هذه الهيئة ظهر أمرهم لكل ضعيف وقوي، وعلم كل عاقل أنهم يدفعون ما يعلمونه ضرورة، فإن قالوا: قد كان طفلا، ثم ناشئا، ثم شابا، ثم شيخا على هذه الهيئة، فيقال لهم (¬1) أفحدث شيء قد كان به كبيرا بعد أن كان صغيرا، أو شيخا بعد أن كان شابا؟ فإن قالوا: لا، قيل (¬2) لهم: فهو إذا على ما كان وهو شاب وطفل، وهذا يشهد بفساده العيان والمشاهدة. فإن قالوا: وإن لم يحدث شيء فقد ظهر شيء كامن له صار به شيخا بعد أن كان شابا، قيل لهم : فاحسبوا الأمر على ما تقولون من ظهور شيء كامن صار به شيخا بعد أن كان شابا. أفحدث ظهور بعد كمون، أو لم يحدث ظهور بعد كمون؟ عاد الكلام الأول، وقال لهم: فهو إذا على ما كان قبل ظهور الكامن، وإلا فلم صار شيخا بعد أن كان شابا؟ فإن قالوا: حدث شيء لم يكن له صار به شيخا بعد أن كان شابا أقروا بحدوث (¬3)
¬__________
(¬1) - سقط من (ب) لفظ (لهم).
(¬2) - سقط من (ب) لفظ (لهم).
(¬3) - الحدوث: الخروج من العدم إلى الوجود، أو كون الوجود مسبوقا بالعدم اللازم للوجود، أو كون الوجود خارجا من العدم اللازم للموجود.
وأظهر التعريفات للحدوث: هو أنه حصول الشيء بعدما لم يكن، وقول المتكلمين: هو الخروج من العدم إلى الوجود فهو تعريف مجازي، إذ العدم ليس بظرف للمعدوم ولا حقيقة فيه. والحدوث الذاتي عند الحكماء: هو ما يحتاج وجوده إلى الغير، فالعالم بجميع أجزائه محدث بالحدوث الذاتي عندهم، كما أن القدم الذاتي: هو أن يكون وجوده من الغير، وهو الباري جل شأنه. والقدم المطلق: هو أن يكون وجوده مسبوقا بالعدم.
وأما الحدوث الزماني: فهو ما سبق العدم على وجوده سبقا زمانيا.
مخ ۱۲