ومن آثار الملك كلود الذي رقى منصة الملك سنة 41، وتوفي سنة 54 الهيكل الباقية أطلاله في قلعة فقرا بكسروان، فقد وجد خطان في الحصن المحاذي لهذا الهيكل دالان على أن كهنة هيكل الإله الأعظم أقاموا أثرا تكرمة للملك كلود سنة 355 يونانية، توافق السنة 44 للميلاد (رنان بعثة فونيقي) ... وليس الإله الأعظم إلا أدونيس معبود الجبلين.
وكان في أيام كلود ونيرون حاكم بسورية اسمه كوادراتوس، كما يظهر في خط عثر عليه ودنيكتون ببيروت يؤخذ منه أن البيروتيين أقاموا نصبا لهذا الحاكم الذي دبر سورية في سنة 51 إلى سنة 61.
ومنذ أيام نيرون كانت الحرب على اليهود، واستمرت في أيام غلبه واتون وسبسيان وطيطوس، وسوف نفرد فصلا للكلام في هذه الحرب، ومن آثار دوميسيان أخي طيطوس فتح الطريق المارة بالعاقورة إلى بلاد بعلبك أو إصلاحها، كما ظهر في خط ذكره رنان (في بعثة فونيقي صفحة 340)، وقد عثر عليه في المحل المسمى درجة مار سمعان في الطريق بين العاقورة واليموني. (2) في ولاية أبناء هيرودس في بعض أعمال سورية
قد غير هيرودس وصيته بالخلافة له مرات، وأوصى أخيرا أن يخلفه أبناؤه أرشيلاوس باليهودية والسامرة، وهيرودس أنتيباس بالجليل، وفيلبوس الثاني في اللجا والجولان، وعلق تنفيذ وصيته على ما يشاؤه أغوسطوس الملك؛ ليثبتها أو يعدلها كيف شاء وورث أبناؤه الخلاف مع الخلافة، وبعد أن انقضت أيام الحداد جمع أرشيلاوس الشعب، وخطب فيهم واعدا أن يرفع المظالم التي أحدثها والده، فلم يكتف الشعب بالوعد، بل سأله الحط من الخراج، ونسخ الضرائب المفروضة على البيع والشراء، وتبديل رئيس الأحبار إلى غير ذلك، فسوفهم بإجرائه وتألبوا عليه فساق جنوده إليهم، فقتل يومئذ من اليهود ثلاثة آلاف رجل.
ثم مضى أرشيلاوس وإخوته إلى رومة، وكان يخاصم أحدهم الآخر حتى لم ير أغوسطوس أحدا منهم أهلا للولاية، وكان هرج وشغب بعد غيابهم باليهودية وحرب مع العمال الرومانيين آلت إلى زيادة إذلال اليهود، وأثبت أغوسطوس وصية هيرودس على أنه لم يسمع لأرشيلاوس أن يسمى ملكا، بل واليا ورئيسا على اليهودية والسامرة وأدوم، وأعنت أهل سورية واعتسف، فشكوه إلى أغوسطوس فلم يستطع أن يبرئ ساحته، فنفاه إلى فيان بإفرنسة ومات في منفاه بعد أن ولى عشر سنين أو تسعا.
وقد أثبت أغوسطوس وصية هيرودس لابنيه هيرودس أنتيباس وفيلبوس الثاني أيضا، فكان هيرودس هذا واليا في الجليل وفيلبوس واليا في الجيدور واللجا وحوران، واستمرا على ذلك زمانا طويلا، فنرى لوقا البشير (ف3 عدد 1) ذكرهما عند ذكره ظهور يوحنا المعمدان للتبشير بقوله: «في سنة خمس عشرة من ملك طيباريوس قيصر في ولاية بيلاطوس البنطي على اليهودية وهيرودس رئيس الربع على الجليل، وفيلبوس أخوه رئيس الربع على إيطوريا وكورة أنطرخون.» وهيرودس هذا بنى مدينة طيبارية إجلالا لطيباريوس قيصر، وتزوج بابنة الحارث ملك العرب، ثم طلقها نحو سنة 33 للميلاد، وتزوج بهيرودية امرأة أخيه فيلبوس وهو حي، وكان يوحنا المعمدان يقيم عليه النكير، فألقاه في السجن وقطع رأسه إجابة لسؤال ابنة هيرودية، وحارب الحارث هيرودس؛ ليأخذ بثأر ابنته التي طلقها فانتصر جنود الحارث على عسكر هيرودس وشتتوا شملهم.
وأما فيلبوس أخو هيرودس أنتيباس والي الجيدوو واللجا وحوران، فتوفي سنة 31 للميلاد، ولم يكن له ولد إلا صالومي التي رقصت أمام هيرودس، وطلبت رأس يوحنا وكان أغريبا بن أرسطوبولس بن هيرودس الكبير تربى برومة، وكان الملك غايوس يعرفه ويحبه، فسماه خلفا لفيلبوس سنة 39 في ولاية الجيدور وحوران، وألحق بها ولاية الأبلية وسماه ملكا، فأخذت الغيرة هيرودية أخت أغريبا وامرأة هيرودس أنتيباس، فسارت مع زوجها إلى رومة أملا أن يسمى زوجها أيضا ملكا كأخيها، على أن أغريبا كتب إلى العاهل أن صهره هيرودس ممالئ للبرتيين، وأن في خزائنه أسلحة كثيرة، فسئل هيرودس عن الأسلحة، فلم ينكر فعزله العاهل عن ولايته ونفاه إلى ليون، وآثرت هيرودية النفي مع زوجها، ومات هيرودس بمنفاه (يوسيفوس ك18 ف9) لا يعلم بأية سنة.
وبعد عزله ألحق الملك ولايته على الجليل وعبر الأردن بمملكة أغريبا سنة 40، ثم اغتيل غايوس وخلفه كلود وأغريبا برومة، فألحق كلود اليهودية بمملكته حتى أصبحت فسيحة الأرجاء، وأربت على مملكة جده هيرودس، ومن أعماله السيئة قبضه على يعقوب الرسول ابن زبدي، وقتله بالسيف سنة 44 (وسمي في أعمال الرسل ف12 عدد 1 هيرودس)، وقبض على بطرس الرسول وسجنه، فنجاه ملك الرب بمعجزة وأتحف بيروت بإنشائه فيها ملعبا ومشهدا وحمامات وإيوانات جميلة، وكان حنقا في آخر عمره على الصوريين، فتذللوا إليه وصالحهم وخطب فيهم، وكان الشعب يصيح أن صوته صوت إله لا صوت إنسان، وسكت على ذلك بدلا من أن يؤنب القائلين، فضربه ملك الرب فحمل إلى قصره يكابد مر العذاب خمسة أيام، وأسلم الروح (أعمال الرسل ف2 عدد 20 ويوسيفوس ك19 ف1)، ومن آثاره خط عثر عليه ودنيكتون في قنوات بحوران (خط 2329) يؤخذ منه أن أغريبا أذاع منشورا يؤنب فيه أهل حوران على عيشتهم الهمجية ويحثهم على الحضارة.
وبعد وفاة أغريبا الأول خلفه ابنه أغريبا الثاني، وكان قد ولد في رومية وبقي فيها إلى وفاة والده، فوعده الملك كلود بالخلافة له، ثم أرسل كسبيوس فاروس ليلي ولاية أبيه نيابة عنه، وجعل أغريبا سنة 50 ملكا على كلشيد وهي عنجر في لبنان الشرقي، وقلده حراسة هيكل أورشليم وخزينته والسلطان على تسمية رؤساء الكهنة، كما كان عمه هيرودس الكبير، وفي سنة 52 أقامه كلود على الربع الذي كان لفيلبوس وهو الجولان والجيدور واللجا، ثم ضم إليه ولاية الإبلية وغيرها من المدن، وقد صحب الجنود الرومانيين في حملتين على البرتيين وأرمينية، ولما ثار اليهود سنة 66 على الرومانيين أتى إلى أورشليم يخمد جذوة ثورتهم، فحنقوا عليه وهرول من المدينة، ثم ضم جنوده إلى جيش الرومانيين عند القتال، وبعد أخذهم أورشليم وسعوا تخوم مملكته، وكان خبيرا بسنن اليهود وأسفارهم كما يظهر من قول بولس الرسول (أعمال الرسل ف26 عدد 2): «إني أحسب نفسي سعيدا أيها الملك أغريبا؛ لأنني أحتج اليوم أمامك ... ولا سيما وأنت خبير بكل ما لليهود من سنن ومسائل.» وكان اليهود يئنون منه لممالأته الرومانيين وتودده إلى ولاتهم، وقد ترك آثار أبنية في بيروت وطيبارية، وعن يوسيفوس (ك20 فصل 11): أنه زاد في أبنية بانياس وجملها وسماها نيرونية إجلالا لنيرون، وبنى في بيروت ملعبا عظيما، وكان يصنع كل سنة ملاعب للشعب فيه، ويوزع برا وزيتا على أهليها، ونقل إليها قسما كبيرا من كل ما كان نفيسا ونادرا في غيرها من مدن ملكه؛ فمقته أهل تلك المدن لنزعه منها ما يزين به مدينة أجنبية عن مملكته، ومن أعماله أنه قلد رياسة الكهنوت حنان بن حنان، الذي كان في عهد المخلص، فجمع حنان مجمعا أشخص فيه يعقوب بن حلفي وغيره وشكاهم بمخالفة السنة، وقضى عليهم بالرجم، فأسخط هذا التجني أولي التقوى في أورشليم، وأرسلوا إلى أغريبا سرا فعزله أغريبا من رياسة الكهنوت، وبعد أن دمر الرومانيون أورشليم واليهودية اعتزل أغريبا مع أخته برنيكة في رومة، حيث قضى في آخر القرن الأول. (3) في ليسانياس
كان من ولاة سورية في القرن الأول للميلاد ليسانياس الذي ذكره لوقا البشير (ف3) أنه كان رئيس الربع على الإبلية، وروى يوسيفوس أنه كان ابن ليسانياس الشيخ والي الإبلية الذي حملت فلوبطرة ملكة مصر مرقس أنطونيوس على قتله سنة 34ق.م، وأخذت بعض أملاكه ، وبعد انتحارها خلفه ابنه زينودر حاكما في الجيدور واللجا وحوران، ولكن أغوسطوس أعطى هيرودس هذه الأعمال، وبقي لزينودر عنجر والإبلية وبعلبك، ثم خلف زينودر ليسانياس الثاني، وقد وجد بوكوك الجوالة الإنكليزي سنة 1737 صفيحة في أخربة الإبلية نفسها كتب عليها ما يؤخذ منه أنه كان في أيام طيباريوس حاكم يسمى ليسانياس رئيس الربع في الإبلية، وهذا يتبين منه افتراء ستروس على لوقا الإنجيلي لقوله: إن ليسانياس كان رئيس الربع في الإبلية عند ظهور يوحنا المعمدان للتبشير، وقال ستروس: إن ليسانياس قتل قبل الميلاد بثلاثين سنة، فهذه هفوة بستين سنة، فلم يميز ستروس بين ليسانياس الأول والثاني.
ناپیژندل شوی مخ