وخلف ياربعام ابنه ناداب، ولم يبق في الملك إلا سنتين، وبينما كان محاصرا مدينة جيتون (جيانا الآن في قرب الناصرة) قتله بعشا بن أحيا غيلة. (3)
بعشا بن أحيا: من بني يساكر ملك مكان تاداب بعد أن قتله لم يترك لياربعام ذا نسمة إلا أهلكه، وخرج على آسا ملك يهوذا فحمل آسا بن هدد ملك دمشق على الخروج على بعشا، فأخذ ابن هدد عدة مدن من شمالي مملكة إسرائيل، وأذل بعشا كما مر، ومات بعشا بعد أن ملك في إسرائيل 23 سنة ودفن في ترصة. (4)
أيلة بن بعشا: خلف أباه ولم يدم ملكه في إسرائيل إلا سنتين، فحالف عليه عبده زمري فقتله. (5)
زمري: ملك مكان أيلة بن بعشا بعد أن قتله وما عتم أن قرض ذرية بعشا، ولم يدع منهم ذكرا، وألحق بهم أقرباءهم وأصدقاءهم لكنه لم يملك إلا سبعة أيام؛ لأن الشعب إذ بلغهم ما عمله أقاموا عمري الذي كان قائد الجيش المحاصر جيتون المار ذكرها ملكا عليهم. (6)
عمري: أقامه من كانوا يحاصرون الفلسطينيين بجيتون ملكا، ومضوا معه فحاصروا زمري في ترصة ولما فتحوها دخل زمري قصر الملك فيها فحرقه واحترق به، واستبد عمري في الملك بعد سنتين من موت زمري، واستمر على منصته اثنتي عشرة سنة وابتاع جبلا من رجل اسمه شامر أو سامر، وبنى عليه مدينة سماها السامرة، فصارت عاصمة ملك إسرائيل إلى حين جلاء آشور، وسار عمري في طريق ياربعام، وإذ دلف إلى آسا ملك يهوذا فلم تكن بينهما حرب، وحالف إيتوبعل ملك صور ووقعا على عهدة بينهما ختمت بزواج أخاب بن عمري بإيزابل بنة إيتوبعل، ثم مات عمري ودفن في السامرة. (7)
وخلفه ابنه أخاب وصنع الشر في عيني الرب أكثر من جميع من تقدموه من ملوك بني إسرائيل، فعثا وأفسد مغريا بعبادة عجول الذهب، بل بعبادة بعل وعشتروت معبودي الفونيقيين، وكانت إيزابل امرأته تزين له هذه العبادة، وكانت متوقحة تحكمت به وقادته حيث شاءت، فكانت علة كفره ومصدر بلاياه، وجعلته يقيم لبعل لا أقل من أربعمائة وخمسين كاهنا، ولعشتروت أربعمائة كاهن تنفق عليهم هذه الملكة الجائرة وتضطهد كهنة الرب وأنبياءه، فأقام الرب لمناصبتهم جميعا إيليا النبي، فكان يؤنب أخاب وينذره ويفعل المعجزات إثباتا لإرسال الرب له وانتقاما من أعدائه، ومن آياته انحباس المطر ثلاث سنين، وذكر مينندر كاتب تاريخ صور انحباس المطر في أيام إيتوبعل مدات طويلة مصداقا للكتاب، وتراءى إيليا لأخاب مهددا منذرا بسوء المصير، وطلب من أخاب أن يجمع إليه كل إسرائيل إلى جبل الكرمل فاجتمعوا، فقال لهم النبي: إلى متى تعرجون إلى الجانبين؟ إن كان الرب هو الإله فاتبعوه، وإن كان البعل إياه فإياه اعبدوا ... فهؤلاء أنبياء البعل أربعمائة وخمسون رجلا فليؤت لنا بثورين، فليختاروا لهم ثورا ويجعلوه على الحطب ويضرموا نارا، وأنا أهيئ الثور الآخر ولا أضع نارا، وتدعون أنتم باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الرب والذي يجيب بنار هو الإله، فاستحسن جميع الشعب كلامه واختار أنبياء البعل ثورا وأعدوه، ودعوا باسم البعل من الغداة إلى الظهر فلم يكن مجيب، وكان إيليا يسخر منهم قائلا: «اصرخوا بأصوات أعلى عله في سفر أو نائم فلم تكن حياة لمن ينادون.» وجعل إيليا مذبحا أحاطه بقناة وأعد عليه الثور، وقال: «املئوا أربع جرار ماء، وصبوا على المذبح وثنوا وثلثوا.» ففعلوا حتى جرى الماء حول المذبح وامتلئت منه القناة، ونادى إيليا باسم الرب فهبطت النار، وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب، ولحست الماء الذي في القناة، فلما رأى الشعب ذلك خروا على وجوههم، وقالوا: «الرب هو الإله.» فقال إيليا: «اقبضوا على أنبياء البعل.» فقبضوا عليهم جميعا، فأنزلهم إلى نهر قيشون (الذي يصب في شمالي حيفا) وذبحهم بأمر الرب، ثم قال لأخاب: «اصعد فكل واشرب فهو ذا دوي المطر.» فطلعت سحابة صغيرة من البحر وهبت الرياح وجاء مطر عظيم، وقص أخاب على إيزابل كل ما صنعه إيليا فاحتدمت غيظا، وأقسمت أن تلحق إيليا بمن قتلهم فاختبأ أربعين يوما صائما، ثم أمره الرب أن يمسح حزائيل ملكا على آرام وياهو ملكا على إسرائيل وأليشاع نبيا مكانه؛ لينتقم هؤلاء للرب ممن تركوه وعبدوا الأوثان؛ وليكون من أفلت من سيف حزائيل يقتله ياهو، ومن أفلت من كليهما يقتله أليشاع، وهكذا كان كما ترى.
وخرج ابن هدد الثاني ملك دمشق على أخاب، ودنوا من السامرة وراعت أخاب كثرة جيوشه، وأمر ابن هدد بإقامة الحصار على السامرة فلم يفتتحها، وعاد في السنة التالية لمحاربة أخاب، وحلت عساكره في أفيق (وهي المسماة اليوم الفيك أو الفيق في شمالي بحيرة طبرية)، وخرج أخاب للقائه فاستظهر بنو إسرائيل على الآراميين، وقتلوا منهم مائة ألف رجل وفر ابن هدد مذعورا، وخرج إلى أخاب طالبا الأمان فرحب به، وأصعده على مركبته وقطع له عهدا وأطلقه، فالتقاه أحد الأنبياء متنكرا وقال: «كذا قال الرب بما أنك أطلقت رجلا قد أبسلته نفسك تكون بدل نفسه وشعبك بدل شعبه.» فعرف أخاب أنه نبي وعاد إلى الناصرة واجما قلقا، وقد أبانت لنا الآثار الآشورية وجها لتساهل أخاب لابن هدد، وهو خوف كليهما من ملك آشور ومحالفتهما عليه، فإن سلمناصر الثاني غزا سورية ست مرات، وكتب وقائعه على مسلة من صخر أسود في مائة وتسعين سطرا، يتبين منها أن أخاب كان حليفا لابن هدد ملك دمشق في حربه للآشوريين، وذلك مثبت للمعاهدة التي ذكر الكتاب إبرامها، ويتبين منها أيضا أن سلمناصر في السنة السادسة لملكه غزا سورية، وأذل ملوكها الذين كانوا متحالفين عليه، وعدد جنود هؤلاء الملوك الذين يقاومونه فكان في جملتها 1200 مركبة و1200 فارس و20000 رجل من قبل ابن هدد ملك دمشق و2000 مركبة و10000 رجل من قبل أخاب ملك إسرائيل.
ومن شرور أخاب اختلاسه كرم نابوت الإزراعيلي وقتله مرجوما بدسائس إيزابل، فظهر له إيليا النبي، وهدده بأن الكلاب تلحس دمه حيث لحست دم نابوت وهدد إيزابل بالقتل، وأكل الكلاب لحمها، ولما كانت العهدة التي وقع عليها أخاب وملك دمشق قد انحلت بحرب سلمناصر المشار إليها ولم يقم ابن هدد بما شرط على نفسه من أن يتخلى لأخاب عن بعض المدن منها راموت جلعاد (السلط)، فأراد أخاب أن يستحوذ على هذه المدن، وكان يوشافاط ملك يهوذا عنده، فذهبا معا لأخذ السلط وباقي المدن من ملك دمشق، فالتقاهما هذا الملك واستعرت نار الحرب وتنكر أخاب، وتقدم إلى ساحة الحرب فأصابه سهم بين الدرع والورك، فقال لمدير مركبته: «أخرجني من الجيش.» ... فأخرجه واشتد القتال وأخاب واقف بمركبته، ودمه يسيل ومات في المساء وأخذه إلى السامرة وغسلت مركبته، فلحست الكلاب دمه كما تهدده إيليا النبي. (8)
أحزيا بن أخاب: خلف أباه وكان على شاكلته فقد عبد البعل، وقد مرض فأرسل رسلا يسأل بعلزبوب إله عفرون هل يبرأ؟ فالتقى إيليا رسله وقال لهم: «ألعله ليس إله في إسرائيل حتى تسألوا إله عفرون؛ ولذلك أخبروا ملككم أنه موتا يموت.» فعاد الرسل وأخبروه بما قيل فأرسل إلى إيليا قائد خمسين، فأهبط الله نارا من السماء أهلكته مع خمسينه بطلب إيليا، فأرسل الملك قائد خمسين آخر فأنزل إيليا به ما نزل بالقائد الأول، فأرسل الملك قائدا آخر فتذلل لإيليا فسار معه إلى الملك، وقال له ما قاله لرسله ... فمات أحزيا بعد أن ملك سنتين بعضها في أيام أبيه وبعضها بعد موته، ولم يكن له ابن. (9)
يورام بن أخاب: ملك بعد موت أخيه أحزيا وأزال تمثال البعل الذي صنعه أبوه، لكنه أعاد عبادة العجل التي أدخلها ياربعام بن ناباط، فأثار الرب عليه ميشاع ملك موآب، وأنكر عليه أداء الجزية التي كان هو وأسلافه يقدمونها، واستعان يورام بيوشافاط ملك يهوذا، فأعانه وذهبا معا إلى الحرب، فنصرهما الرب فهزموا الموآبيين وقتلوا كثيرين منهم وهدموا مذبحهم، وقطعوا أشجارهم وحاصروا الكرك قصبة ملكهم، ولما يئس ملك موآب اعتقد أن كاموش معبودهم ساخط عليهم، فأصعد بكره محرقة له على أسوار المدينة، فخنق بنو إسرائيل من ذلك حنقا شديدا وانصرفوا عن المدينة، وبعد هذه الحرب انحاز الأدوميون إلى ميشاع ملك الموآبيين، وخرجوا على يوشافاط ملك يهوذا فدمروا مدنا في مملكته انتقاما منه؛ لأنه خرج مع ملك إسرائيل على الموآبيين، وفي سنة 1869 كشف كلرمون كانو الإفرنسي عن صفيحة ميشاع الشهيرة، وهي الآن في متحف اللوفر، وما دون عليها يثبت ما جاء في الكتاب عن هذه الحروب إثباتا علميا قاطعا، وترى ترجتمها في تاريخنا المطول.
ناپیژندل شوی مخ