محب او محبوب او مشموم او مشروب
المحب والمحبوب و المشموم و المشروب
ديك الجن:
بها غيرَ معذولٍ فداوِ خُمارَها ... وصِلْ بعُلالاتِ الغَبوقِ ابتكارَها
وباكِرْ من الأوزارِ كلَّ كبيرةٍ ... إذا ذُكرَتْ خافَ الحفيظانِ نارَها
ابن هرمة:
قد يُدركُ الشرفَ الفتى ورداؤُهُ ... خلَقٌ وجيبُ قميصِهِ مرقوعُ
إمّا تَريْني شاحبًا مُتبذّلًا ... فالسيفُ يَخلُقُ غِمدُهُ ويضيعُ
ولَرُبَّ ليلةِ لذةٍ قد بِتُّها ... وحرامُها بحلالِها مجموعُ
أبو نواس:
دعْ عنكَ ما جدّوا بهِ وتبطّلِ ... وإذا لقيتَ أخا الحقيقةِ فاهزلِ
لا تركبَنَّ من الأمورِ خَسيسَها ... واعمدْ إذا قارفْتَها للأنبلِ
وخطيئةٍ تغلو على مُستامِها ... يلقاكَ آخرُها بطعمِ الأولِ
حلّلتُ، لا حرجًا عليَّ، حرامَها ... ولربّما وسّعتُ غيرَ مُحلَّلِ
المُفجّع البصريّ:
لعمري لئنْ حلَّ المشيبُ بلمَّتي ... لقدْ كانَ ما أحللتُ بالشيبِ أعظما
سلِ الشيبَ هلْ وقّرتُهُ في خطيئةٍ ... وهلْ جُزتُ حُوبًا أو تجاوزتُ مَحرَما
ومن الشعراء المشهورين بالشراب السيد الحميري، وكان يصيبه على كل حال، لا يتحاماه مبيتًا ومقيلًا، ولا يتحاشاه رنقًا وممتلئًا حتى ولّد الحمى في كبده، والصفارَ في لونه، واليرقان في عينيه مداومته له ومعاقرته إياه صرفًا بلا مزاج، وبحتًا بلا شَوب، وصار مُصفارًّا ممراض الجسم، مُسقامّ البدن، مستهلَك القوى، محلول العصب، وهو أحد الشعراء الأربعة المطبوعين الذين اختارهم أبو عثمان الجاحظ؛ وما رويت له شيئًا في نعت الخمر. وروى عبد الله بن المعتز أن أربعةً من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم: فأبو العتاهية سار شعرع بالزهد وكان على الإلحاد، وأبو نواس سار اسمه باللواط وكان أزنى من قرد، وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنة وكان أهبّ من تيس، ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة وكان أحرص من كلب.
وقد رويت لابن حازم خبرًا يُخالف حكاية ابن المعتز ويوافق شعره؛ والأشعار إذا وردت موردًا صحيحًا مع سلامة الحال دون البواطن أو قهر قاهر جرت مجرى أخبار التواتر في إيجاب العلم، ولا سيما مع اختلاف البلدان، وبذلك لا يُستدل عليه إلا بما ورد في الخبر: إن انقضاض الكواكب أحد الأدلة على معرفة مبعث النبي ﷺ، وليس يستدل عليه إلا بما ورد في الأشعار، وليس يتضمن شعر جاهلي ذكر الانقضاض، وأما في شعراء الإسلام المخصوصين فكثير.
وأما حديث محمد بن حازم فإنه لما شاع هجاؤه في ابن حميد، وكان في محلّته نازلًا ساءت حاله فتحول عن جواره، فبلغ ابن حميد ذلك، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم، وتُخوت ثيابٍ وفرسٍ بآلاته ومملوكٍ وجارية، وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم ذو الأدب يحمله ظَرفُهُ على نعت الشيء بغير هيئته، وتبعثه قدرته على وصفه بخلاف حليته، ولم يكن ما شاع من هجائك جاريًا إلا هذا المجرى. وقد بلغني من سوء حالك، وشدة خَلّتِك ما لا غضاضة به عليك من كبَر همتك، وعظم نفسك، ونحن شركاء فيما ملكنا، ومتساوون فيما تحت أيدينا وقد بعثتُ إليك بما جعلته، وإن قلّ، استفتاحًا لما بعده وإن جلّ إن شاء الله والسلام. فردّ ابن حازم جميعه ولم يقبل منه شيئًا، وكتب إليه:
وفعلتَ بي فعلَ المهلَّبِ إذْ ... كعمَ الفرزدقَ بالندى الغَمرِ
فبعثتَ بالأموالِ تُرغِبني ... كلاّ وربِّ الشفعِ والوَترِ
لا ألبسُ النعماءَ من رجلٍ ... ألبستُهُ عارًا على الدهرِ
الباب الرابع والثلاثون في
العزوف عن الملاهي
والتورع عن الشرب، والاتعاظ بنذر الشيب وذكر أحسن ما ورد فيه
أبو عثمان الجاحظ:
أقصِرْ فقدْ أقصرتُ نفسي عن الكاسِ ... واعتضْتُ من حرِّ حِرصي سَلوةَ الياسِ
فللبطالةِ عندي مَشرعٌ ... كدِرٌ والمذاذةِ مني جانبٌ جاسِ
بعض العرب:
فلولا النُّهى ثمّ التُّقى خشيةَ الردى ... لعاصيْتُ في حُبِّ الهوى كلَّ فاجرِ
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... لهُ صبوةً أخرى الليالي الغوابِرِ
قال بعضهم: كنت أمرُّ في بعض أزقة الكوفة ليلًا، فأنشدتُ:
بطِزناباذَ كرْمٌ ما مررتُ بهِ ... إلاّ تعجبتُ ممنْ يشربُ الماءَ
فأجابني هاتف لا أراه:
1 / 159