محاورات افلاطون

زکي نجيب محمود d. 1414 AH
97

محاورات افلاطون

محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون

ژانرونه

إذ علمنا في الليلة السالفة أن السفينة المقدسة قد عادت من دلفي، فتواعدنا على اللقاء في المكان المضروب جد مبكرين؛ فما كدنا نبلغ السجن حتى طلع السجان المسئول عن حراسة السجن، ولم يأذن لنا بالدخول، بل أمرنا أن ننتظر حتى يدعونا؛ «لأن الأحد عشر مع سقراط الآن، يرفعون عنه الأغلال، ويأمرون بأن يكون اليوم قضاؤه المحتوم» كما قال. ولم يلبث أن عاد يجيز لنا الدخول؛ وإذ فعلنا ألفينا سقراط قد خلص لتوه من الأصفاد، وإكزانثيب،

2

التي تعرفها جالسة إلى جانبه تحمل وليده بين ذراعيها، فلم تكد تبصرنا حتى صاحت قائلة ما ينتظر أن تقوله النساء: «أواه يا سقراط ! لتلك آخر مرة يتاح لك فيها أن تتحدث إلى أصدقائك أو يتحدثون إليك.» فنظر سقراط إلى أقريطون، وقال: «مر أحدا يا أقريطون أن يذهب بها إلى الدار.» فساقها بعض حاشيته صارخة لادمة، وما كادت تغيب عن النظر حتى انثنى سقراط، وكان جالسا على سريره، وأخذ يربت على ساقه قائلا: «ما أعجب هذا الشيء الذي يسمونه اللذة، وما أغرب صلته بالألم، الذي قد يظن أنه واللذة نقيضان لأنهما لا يجتمعان معا في إنسان، مع أنه لا بد لمن يلتمس أحدهما أن يحمل معه الآخر. إنهما اثنان، ولكنهما ينبتان معا من أصل واحد، أو يتفرعان عن أرومة واحدة، ولست أجد سبيلا إلى الشك في أنه لو رآهما إيسوب

Aesop

لأنشأ عنهما قصة، يصور فيها الله وهو يحاول أن يوفق بينهما في الخصومة القائمة، فإن لم يوفق شد رأسيهما إلى بعض في وثاق واحد؛

3

وذلك علة أن يجيء الواحد في أعقاب أخيه، كما شاهدت في نفسي؛ إذ أحسست لذة في ساقي جاءت في أثر الألم الذي أحدثه القيد فيها.»

4

وهنا قال سيبيس: كم يسرني حقا يا سقراط أن تذكر إيسوب؛ فقد ذكرني ذلك بمسألة طرحها بعض الناس واستجابني عنها أفينوس الشاعر أمس الأول، ولا ريب في أنه سيعود ثانية إلى السؤال، فحدثني بماذا أجيبه، إن كنت تحب أن يظفر بالجواب. إنه أراد أن يعرف لماذا، وأنت رهين السجن، ولم تكتب من قبل بيتا واحدا من الشعر، تنظم قصص إيسوب وتنشئ تلك الأنشودة إجلالا لأبولو.فأجاب أن حدثه يا سيبيس بأني لم أفكر في منافسته ومنافسة أشعاره، وحق ما أقول، لأنني كنت أعلم أن لا قبل لي بذلك، إنما أردت أن أرى هل أستطيع أن أمحو وهما أحسسته عن بعض الرؤى، فلكم أشارت إلي هواتف الأحلام في أيام الحياة «بأنني سأنشئ الموسيقى»، وقد كان يطوف بي هذا الحلم في صور متباينة، ولكنه لازم عبارة بعينها ينطق بها أو بما يقرب منها دائما: أنشئ الموسيقى وتعهدها بالنماء. هكذا كانت تهتف الرؤيا. وقد خيل إلي منذ ذلك الحين أنها لم ترد بذلك إلا أن تحفزني وتبعثني على دراسة الفلسفة التي كانت دوما قصد الرمي من حياتي، والتي هي أسمى جوانب الموسيقى وأرفعها شأنا، فكما ترى النظارة في حلبة السباق يهيبون بالمتسابق المتحمس أن يجري مع أنه يجري فعلا، كذلك كانت رؤياي تأمرني أن أؤدي ما كنت بالفعل قائما بأدائه، ولكني لم أكن على يقين من هذا، وربما قصدت الرؤيا بالموسيقى معنى الكلمة المعروف، فرأيت أن أكون آمن لو أرضيت هذا الشك وأطعت الرؤيا فيما تأمر به؛ فأنشأت قبل رحيلي قليلا من الشعر؛ فهذا قضاء الموت يرقبني، وقد أمهلني العيد قليلا، فكتبت بادئ ذي بدء نشيدا في تمجيد إله هذا العيد، ثم لما رأيت أن الشاعر الذي يراد له أن يكون شاعرا مبدعا حقا، لا ينبغي أن يحشد ألفاظا وكفى، بل لا بد له أن ينشئ قصصا، ولما لم تكن لدي قوة الإنشاء، أخذت طائفة من قصص إيسوب ونظمتها شعرا، فقد كانت ميسرة سهلة التناول، وإني بها لعليم. أنبئ أفينوس بهذا ولا تجعله يبتئس، وقل له إني أود أن يتبعني، وألا يتلكأ إن كان رجلا حكيما؛ فأغلب الظن أني مرتحل عنكم اليوم؛ إذ قال الأثينيون أن ليس لي من ذلك بد.قال سمياس: يا له من نبأ يحمل لذلك الرجل إني أقرر لكم وقد كنت رفيقا له ملازما، أنه - كما عهدته - لن يأخذ بنصحك إلا مجبرا.قال سقراط: ولماذا؟ أليس أفينوس فيلسوفا؟قال سمياس: أحسبه كذلك.إذن فسيكون راغبا في الموت، شأن كل رجل عنده روح الفلسفة، ولو أنه لن ينتزع روحه بيده، فقد أجمع الرأي على أن ليس ذلك صوابا.وهنا بدل في وضعه؛ فأنزل ساقيه من السرير إلى الأرض، ولبث جالسا حتى ختم الحوار.تساءل سيبيس: فيم قولك إن الإنسان لا ينبغي أن يستل حياته، وأنه يجب على الفيلسوف أن يعد نفسه ليلحق بالموتى؟

5

ناپیژندل شوی مخ