محاورات افلاطون
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
ژانرونه
حسبي هذا دفاعا للفريق الأول من المدعين. وها أنا ذا أتوجه الآن بالحديث نحو الطائفة الأخرى وعلى رأسهم مليتس، ذلك الرجل الطيب، الوطني، كما يقول عن نفسه. وسأحاول أن أدفع عن نفسي ما اتهمني به هذا الفريق الجديد. وجدير بنا أن نبدأ بتلخيص دعواهم؛ فماذا يزعمون؟ إنهم يقولون: إن سقراط فاعل للرذيلة، مفسد للشباب، كافر بآلهة الدولة، وله معبودات اصطنعها لنفسه خاصة. تلك هي دعواهم، وسبيلنا الآن أن نناقشها تفصيلا.
أما الزعم بأني فاعل للرذيلة مفسد للشباب؛ فأنا أقرر أيها الأثينيون عن هذا الرجل مليتس، أنه هو صاحب رذيلة، ورذيلته أنه يتفكه حيث يحب الجد، وهو لا يرى غضاضة في أن يسوق الناس إلى ساحة القضاء متسترا وراء الحماسة المصطنعة والاهتمام المتكلف بأمور لا تعنيه في شيء، وسأقيم لكم الدليل على صدق هذا.
اقترب مني يا مليتس لألقى عليك سؤالا. هل تفكر طويلا في إصلاح الشباب؟ - نعم، إني أفعل. - إذن فقل للقضاة من هو مصلح الشبان؛ فأنت لا بد عالم به ما دمت قد عانيت آلاما في اكتشاف مفسدهم، فها أنت ذا قد سقتني إلى القضاء متهما. تكلم إذن وقل للقضاة من هو مصلح الشبان. ما لي أراك يا مليتس لا تحير جوابا؟! أفليس هذا دليلا قاطعا، مزريا بك، يؤيد ما ذكرته من أن أمر الشبان لا يعنيك في شيء. تكلم يا صديقي وحدثنا عن مقوم الشباب! - هي القوانين. - ولكن ليست القوانين هي ما عنيت يا سيدي، إنما أردت أن أعرف ذلك الشخص الذي يحفظ القوانين قبل كل شيء. - هم من ترى في المحكمة من قضاة يا سقراط. - ماذا تريد أن تقول يا مليتس. أتعني أن القضاة قادرون على تعليم الشبان وإصلاحهم؟ - لست أشك في أنهم كذلك. - أكلهم كذلك، أم بعضهم دون بعض؟ - القضاة جميعا. - قسما بالآلهة
4
إن هذا لخبر سار. إذن فهناك طائفة من المصلحين، وماذا تقول في النظارة؟ أهم يصلحون الشبان؟ - نعم هم يفعلون. - وأعضاء الشورى كذلك؟ - نعم، إنهم كذلك يصلحون. - ولكن قد يكون رجال الدين لهم مفسدين؟ أم هم كذلك يقومون الشباب؟ - إنهم كذلك من المصلحين. - إذن فكل الأثينيين يصلحون الشباب، ويرفعون من قدرهم، ما عداي؛ فأنا وحدي الذي أفسدت الشباب. أهذا ما أردت أن تقول؟ - وذلك ما أؤيده بكل قوتي. - يا لبؤسي إذن إن صح ما تقول! ولكني أريد أن أسألك سؤالا: أيصح هذا القول كذلك على الجياد؟ أيمكن أن يقدم لها الأذى فرد واحد، بينا يقدم لها الخير العالم أجمع؟ ألست ترى أن العكس هو الصحيح؟ فرجل واحد يستطيع أن يعمل لها الخير، أو قل هي فئة قليلة، وأعني أن مروض الجياد هو الذي يقدم لها الخير، أما بقية الناس الذين يستخدمونها في عملهم فهم مسيئون. أليس هذا صحيحا يا مليتس بالنسبة إلى الجياد وكل أنواع الحيوان؟ نعم ولا ريب، سواء رضيت أنت وأنيتس أم لم ترضيا، فذلك لا يعنينا. اللهم أنعم بحياة الشبان لو كان عليهم مفسد واحد فحسب، وكان بقية العالم لهم مصلحين. وأنت يا مليتس، لقد أقمت لنا الدليل ناصعا على أنك لم تفكر في الشبان، فإهمالك إياهم واضح حتى فيما ذكرت في صحيفة الدعوى.
والآن يا مليتس، لا بد أن أسألك سؤالا آخر: أيهما خير، أن يكون أبناء وطنك الذين تعيش بينهم فاسدين أم صالحين؟ أجب يا صاح، فذاك سؤال ميسور الجواب! ألا يقدم الصالحون الخير لجيرانهم بينا يسيء إليهم الفاسدون؟ - نعم ولا ريب. - وهل هناك إنسان يفضل أن يساء إليه على أن يحسن إليه ممن يعيش بينهم؟ أجب يا صديقي، فالقانون يتطلب منك الجواب. أيحب أحد أن يصيبه الضر؟ - كلا، ولا ريب. - وأنت حين تتهمني بإفساد الشبان والحط من شأنهم، أتزعم أني أتعمد ذلك الإفساد أم يجيء عني عفوا. - أنا أزعم أنه إفساد مقصود. - لكنك اعترفت الآن أن الرجل الصالح يقدم الخير لجيرانه، وأن الفاسد يقدم لهم الشر، أفتظن أن هذه الحقيقة قد أدركتها حكمتك البالغة وأنت لا تزال من الحياة في هذه السن الباكرة. وأنا، وقد بلغت من الكبر عتيا، ما زلت أخبط في ظلام الجهل فلا أعلم أني أفسدت أولئك الذين أعيش بينهم فيغلب أن يصيبني منهم ضرر؟ أفأكون عالما بهذا ومع ذلك أفسدهم، وأفسدهم متعمدا؟ هذا ما تقوله أنت، فلا أحسبك مقنعني به، ولا مقنعا به كائنا من كان. إحدى اثنتين: إما أنني لا أفسد الشبان، أو أفسدهم عن غير عمد. وسواء أصحت هذا أم تلك فأنت كاذب في كلتا الحالتين.
5
فإن كانت جريمتي بغير عمد فلا يحاسب عليها القانون، وكان خليقا بك أن تسدي لي النصح خالصا، محذرا ومؤنبا في رفق ولين، فإن انتصحت بك، أقلعت ولا ريب عما كنت آتيه بغير قصد. ولكنك أبيت لي نصحا وتعليما، وآثرت أن تجيء بي متهما في ساحة القضاء، وهي محل العقاب لا مكان التعليم.
لقد تبين لكم أيها الأثينيون أنه لا يعنيه أمر الشبان في كثير ولا قليل، ولكني ما زلت أود يا مليتس أن أعرف منك فيم كان إصراري على إفساد الشباب؟ لعلك تعني كما يبدو من اتهامك أني حملتهم على إنكار الآلهة التي اعترفت بها الدولة، ليقدسوا في مكانها معبودات جديدة أو قوى روحانية. أليست هذه هي الدروس التي زعمت أني أفسدت بها الشباب ؟ - نعم، هذا ما أقوله وأؤكده. - إذن فقل لي يا مليتس، وقل للمحكمة في عبارة واضحة، أي آلهة أردت في دعواك؛ لأنني حتى الساعة لا أفهم ما تأخذه علي. أكنت أعلم الناس الإيمان بآلهة معينة؟ وإن كان هذا فهم مؤمنون بآلهة ما، ولم أكن إذن كافرا تمام الكفران. إنك لم تشر إلى ذلك في الدعوى واكتفيت بالقول إنها ليست نفس الآلهة التي تعترف بها المدينة، ما تهمتي؟ أهي الدعوة إلى آلهة مخالفة أم تزعم أني ملحد ومعلم للإلحاد؟ - أردت الأخيرة؛ فأنت ملحد غاية الإلحاد. - هذا قول عجيب لم نعهده يا مليتس، ماذا تعني به؟ ألست أومن بإلهي الشمس والقمر، وهي عقيدة سائدة بين الناس جميعا! - إني أؤكد لكم أيها القضاة أنه لا يؤمن بهما؛ فهو يقول إن الشمس كتلة من الحجر، وإن القمر مصنوع من تراب! - لعلك يا صديقي مليتس تريد أناكسجوراس
6
ناپیژندل شوی مخ