كسر القلم من فرط ما ضغط عليه، ومرة أخرى مزق المحاولة بنزق عارم، باغته صوت هدى: أكثيرا ما تمزق كتاباتك؟
التفت إليها مشدوها من جلوسها على الأريكة خلف ظهره. - أنت؟ منذ متى و.. كيف دخلت؟ - أنت من فتح لي الباب هل نسيت؟ ولكنك انشغلت عني بالكتابة ولم أشأ إزعاجك. - ولكن .. لا شيء، ظننت أنك قد خرجت. - سأخرج لو أردت ذلك.
هذه المرة كان شعرها مسرحا بشكل آسر، ووجهها قد غدا أكثر إشراقا، اقترب منها ينظر في ذاك الوميض المنبعث من عينيها. وأخذ نفسا محاولا أن يتمالك نفسه. - ألم تنته بعد من قصتك الجديدة؟ .. لم أقرأ لك شيئا منذ فترة طويلة.
جلس بجانبها يقول: وربما لن تقرئي بعد الآن. - ما الذي تكتبه إذن؟ أو بالأحرى ما الذي تمزقه؟ - أكتب هزيمتي الجديدة. - «كم هزمتنا الحرب!» - ليست الحرب. - أنت قلت ذلك.
ذهب يتمشى في الغرفة ويسترسل: كنت أكذب .. أقصد كنت أكتب، أما الآن فأنا فقط أحاول الشفاء من هزيمة أخرى .. خسارة لا يمكن تعويضها .. أكتب لنجاة؛ زوجتي التي نجت مني لتتركني في برزخ ما بين موتها وسقوطي، حبيبتي التي دفعتني إلى العزلة عن كل شيء ... نجاة التي ماتت وتركتني محملا بذنب موتها .. فقد كان في وسعي أن أفعل شيئا ولكني ..
تدارك نفسه متوقفا عن البوح، ثم التفت إلى الأريكة ولم يجد هدى .. وهو ليس من النوع الذي يحكي للآخرين عن أوجاعه الخاصة ، لكنه - وربما - كان الآن فقط بحاجة لأن يحكي لا أن يكتب، إنه يريد أذنا ما تسمعه وتهدئ من روعه وتطمئنه، لكن هدى قد رحلت ولم تعطه حتى فرصة للبوح عما يضمر في قرارة نفسه .. جرب أن يشفى من نجاة دون أن يكتبها ولم يستطع .. لا بد من المحاولة مرة أخرى إذن.
3 «رحلت إذن وبقيت أنا وحدي في ركن مكتبي أتساءل عما إذا قتلتك الحرب أم القلم .. قلت لي مرة إن ما أكتبه لا يعني أحدا في زمن الحروب، والحبر لن يقف في وجه الحرب، وإن صوت اللغة لن يعلو فوق صوت القذائف.
نفرت منك ومن الكآبة السوداء التي أصبحت ترتدينها بعد توغل الحرب فينا، وزدت إصرارا وكتابة عن أولئك الذين نزفتهم الحياة من فرط مجازر الحرب، أعدت خلق حياتهم، رسمت واقعهم كما يجب أن يكون لا كما هو كائن، كتبت سيرة الحرب كما أفهمها وأحسها لا كما تحدث .. ظننت أنني أعرف تماما ما يحدث، عرفت أرقام الضحايا يوميا، رصدتهم وأحصيتهم وبكيتهم، لكني لم أشعر بمعنى أن تسقط الضحية إلا بموتك .. لم أفهم العلاقات إلا في تلك الحالة من الذهول عندما دوت صرختك ورأيتك تسقطين فيما كنت أحلم بهزيمة القلم للدبابة.»
دخلت هدى إلى المكتب، جلست على الأريكة وبدأت بخلع حذائها دون أن تنبس ببنت شفة، التفت جاد إليها وكاد يصرخ إلا أنها قاطعته: لا تقلق لن أزعجك أبدا؛ فأنا متعبة وأريد أن أستريح .. يمكنك أن تواصل الكتابة وتعود إلي بعد أن تمزق ما كتبت.
ثم استرخت على الأريكة ومدت رجليها. - لماذا جئت؟
ناپیژندل شوی مخ