قوله تعالى: إن الذين كفروا الآية، محكمة في الذين وافوا على كفرهم، واختلف في معنى قوله والناس أجمعين وهم لا يلعنون أنفسهم، فقال قتادة والربيع: المراد ب الناس المؤمنون خاصة، وقال أبو العالية: معنى ذلك في الآخرة، وذلك أن الكفرة يلعنون أنفسهم يوم القيامة، وقالت فرقة: معنى ذلك أن الكفرة يقولون في الدنيا: لعن الله الكافرين، فيلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «والملائكة والناس أجمعون» بالرفع على تقدير أولئك يلعنهم الله، واللعنة في هذه الآية تقتضي العذاب، فلذلك قال خالدين فيها، والضمير عائد على اللعنة، وقيل على النار وإن كان لم يجر لها ذكر، لثبوتها في المعنى.
ثم اعلم تعالى برفع وجوه الرفق عنهم لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية، وينظرون معناه يؤخرون عن العذاب، ويحتمل أن يكون من النظر، نحو قوله تعالى ولا ينظر إليهم يوم القيامة [آل عمران: 77] ، والأول أظهر، لأن النظر بالعين إنما يعدى بإلى إلا شاذا في الشعر.
وقوله تعالى: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الآية، إعلام بالوحدانية، وواحد في صفة الله تعالى معناه نفي المثيل والنظير والند، وقال أبو المعالي: هو نفي التبعيض والانقسام، وقال عطاء: لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة: ما الدليل على هذا؟ وما آيته وعلامته؟ وقال سعيد بن المسيب: قالوا: إن كان هذا يا محمد فائتنا بآية من عنده تكون علامة الصدق، حتى قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا، فقيل لهم: ذلك لكم، ولكن إن كفرتم بعد ذلك عذبتم، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: دعني أدعهم يوما بيوم، فنزل عند ذلك قوله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض، الآية، ومعنى في خلق السماوات في اختراعها وإنشائها، وقيل: المعنى أن في خلقه أي هيئة السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار معناه أن هذا يخلف هذا وهذا يخلف هذا فهما خلفة، كما قال تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة [الفرقان: 62] ، وكما قال زهير: [الطويل]
بها العين والأرآم يمسين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقال الآخر: [المديد]
ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ارتبعت ... سكنت من جلق بيعا
ويحتمل أيضا الاختلاف في هذه الآية أن يراد به اختلاف الأوصاف، والليل جمع ليلة وتجمع
مخ ۲۳۲