محمد صلى الله عليه وسلم
محمد صلى الله عليه وسلم
ژانرونه
سيرت
-عبادة الأصنام مع أنها واضحةالبطلان إلا أن العرب كانوا متمسكين بها تمسكا شديدًا لرسوخها في نفوسهم منذ زمن طويل فلا يطيقون سماع من يعيبها أو يطعن فيها بل لا يقبلون ارشاد ناصح يخاطبهم بالحسنى ويناقشهم بالعقل والبرهان. فإذا قيل لهم كيف تعبدون الحجارة التي لا تنفع ولا تضر، ولا تبصر ولا تسمع، ولا تعلم من يعبدها، ومن لا يعبدها، ثارت ثائرتهم. وقالوا: هذا ما وجدنا عليه آباءنا واعتدوا على أعز الناس لديهم واشرفهم وأعقلهم واسهلهم أخلاقا. فلم يكن من الحكمة وأصالة الرأي أن يجهر النبي ﷺ وأصحابه القليلون بالاسلام ويؤدوا شعائرهم الدينية أمام أمة بأسرها متعصبة لدينها الثني تعصبًا أعمى.
وقد أدرك بعض أفراد الثاقب أن قومهم في خطأ مبين فمنهم من مات وهو منكر لعبادة الأصنام قبل الاسلام. ومنهم من آمن برسول الله عندما بلغه رسالته كسلمان الفارسي أو عندما دعاه رسول الله إلى اتباع الدين القويم كأبي بكر ومن أسلم بدعائه وغيرهم ولم يبالوا بما يصيبهم من سخط قومهم وايذائهم مع ما يعلمونه من قلة عدد المؤمنين في بادئ الأمر.
فمما وقع لأبي بكر ﵁ من الأذية ما ذكره بعضهم كما في السيرة الحلبية أن رسول الله ﷺ لما دخل دار الأرقم ليعبد الله هو ومن معه من أصحابه سرًا ألح أبو بكر ﵁ في الظهور (١) فقال له النبي ﷺ يا أبا بكر أنا قليل. فلم يزل به حتى خرج رسول الله ﷺ ومن معه من الصحابة ﵃ وقام أبو بكر في الناس خطيبًا ورسول الله ﷺ جالس ودعا إلى رسول الله فهو أول خطيب دعا إلى الله تعالى فثار المشركون على أبي بكر ﵁ وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضربا شديدًا ووطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضربا شديدًا. وصار عتبة بن ربيعة (٢) يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه صار لا يعرف أنفه من وجهه. فجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزلة ولا يشكون في موته ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة. ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار. ثم تكلم وقال: ما فعل رسول الله ﷺ فعذلوه فصار يكرر ذلك. فقالت أمه والله مالي علم بصاحبك. فقال: اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه فخرجت إليها وقالت لها أن تسأل عن محمد بن عبد الله. فقالت لا أعرف محمدًا ولا أبا بكر. ثم قالت تريدين أن أخرج معك؟ قالت نعم. فخرجت معها إلى أن جاءت أبو بكر فوجدته صريعا فصاحت وقالت: إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق. وأني لأرجو أن ينتقم الله منهم. فقال لها أبو بكر ﵁. ما فعل رسول الله ﷺ. فقالت له هذه أمك تسمع. قال فلا عين عليك منها أي أنها لا تفشي سرك. قالت سالم هو في دار الأرقم. فقال والله لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله ﷺ. قالت أمه فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليّ حتى دخل على رسول الله ﷺ فرق له رقة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك. فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما بي من بأس الا ما نال الناس من وجهي وهذه أمي برة بولدها فعسى الله أن يستنقذها بك من النار فدعا لها رسول الله ﷺ ودعاها إلى الاسلام فأسلمت. لا شك أن المسلمين في ذلك الوقت كانوا في خطر شديد. فقد كان لا يهدأ للمشركين بال الا إذا أساءوا إليهم ولذلك كان الأستخفاء في غاية الحكمة وبقي المسلمون مستخفين في دار الأرقم حتى كملوا أربعين رجلا، وكان آخرهم اسلامًا عمر بن الخطاب. فلما كملوا به أربعين خرجوا وأظهروا اسلامهم.
(١) هذا دليل على أن أبا بكر لم يكن ضعيفا لأنه لو كان كذلك لما ألح في الظهور وهو يعلم عداء قريش للمسلمين ودليل على قوة ايمانه بصدق رسالة النبي ﷺ. (٢) عتبة بن ربيعة قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر كافرًا.
1 / 106