محمد علی جناح
القائد الأعظم محمد علي جناح
ژانرونه
ومع هذه الصراحة يشهدون له بقدرته على الإقناع، وتأتي هذه الشهادة ممن لا يشهدون لشرقي بالرجحان على أساطين الغربيين في أمر من الأمور، قال مونتاجو وزير الهند في الحكومة البريطانية: «إن شلمسفورد حاول أن يناقشه فوقع في كتافه، وإنه لرجل بارع جدا، ومن الغبن الصارخ أن رجلا مثله لا تتاح له الفرصة لتدبير أمور بلاده.»
قرأت ما قرأت للرجل، وقرأت ما قرأت عنه، فلم أجد ظلا واحدا يخالط ذلك النهار الواضح من صدقه واستقامته في تعبيره: سياسي لا يبطن غير ما يظهر، ولا يعني القليل وهو يجهر بطلب الكثير، ولا يدخر للصفقة الأخيرة مساومة لم يكشفها من الصفقة الأولى، وهو يقود أتباعه بغير خداع ولا تهويل ولا تهوين ولا تنويم، فكيف أفلح في مسعاه وقد أفلح فيه حقا غاية ما يستطاع من الفلاح؟
لا بد من سر في الرجل، أو لا بد من سر في القضية التي تجرد لها، ولعل السر في الرجل والقضية معا وهو الذي قدرناه ولمسنا شواهده، ولم نزل نلمسها كلما اطلعنا على جديد في سيرة جناح وسيرة الباكستان، وفي الصفحات التالية بيان هذا السر المبين.
انفصال الباكستان
ضرورة لا محيد عنها
كان انفصال الباكستان ضرورة لا محيد عنها ... ضرورة حاول ساسة الهند جميعا أن يتجنبوها فلم يفلحوا، وأن يتجاهلوها فلم يستطيعوا؛ لأنها غير قابلة للتجنب أو التجاهل، فهي الحل الوحيد الذي تستقر عليه مشكلات الهند كما تستقر المادة في موضعها بحكم قوانينها، فهي ختام كل محاولة.
وقد كانت المحاولات كثيرة متعددة، وكان المشتركون فيها كثيرين متعددين، منهم إنجليز ومنهم هنود برهميون، أو بوذيون، أو جينيون، ومنهم هنود مسلمين على مذهب السنة أو على مذهب الشيعة، وقد يكون من حسن الشهادة للزعماء المسلمين أنهم جميعا بدءوا حياتهم السياسية وهم من أنصار الوحدة الهندية التي تشمل أقوام الهند كافة، وأنهم جميعا جربوا كل محاولة قبل المحاولة الأخيرة، ولكنهم كما أسلفنا كانوا يتجاهلون حقيقة لا تقبل التجاهل، فعادوا إلى الاعتراف بها مكرهين، ثم آمنوا بها إيمانا لا يزعزع، لأن التجارب التي استغرقت كل تجربة معقولة قد خلصتها من الشكوك، وختمت بالحسم الفاصل كل محاولة، فلا سبيل إلى محاولة جديدة.
وكان إيمان الجماهير في هذه القضية سابقا لتفكير الزعماء.
كان إيمان الجماهير بوجوب الانفصال شيئا أقوى من الرأي وأقوى من الرغبة وأقوى من الهوى، كان كأنه القابلية المادية التي تتمثل في خصائص الأجسام: جسم لا يقبل الذوبان في جسم آخر، فلا موضع هنا للآراء ولا للرغبات ولا للأهواء.
لهذا تساوى منطق جناح وشعور أتباعه، ولهذا تلاقى تفكيره العملي وغيرتهم القبلية، فلم تكن به حاجة إلى إثارة شعور أو تلبيس حقيقة بطلاء مقبول؛ لأن الكلمة الصريحة المستقيمة هنا كافية بل فوق الكافية؛ إذ هي الكلمة اللازمة دون غيرها، فكل ما عداها ضياع وإسراف وفضول، ومن عجائب القصد في أطوار الطبيعة أن يدخر جناح للنهوض بأعباء هذه القضية؛ لأنها قضية لا تتطلب زعامة تنفق جهودها في التزويق والتأثير، بل تتطلب الزعامة التي تجسمت قوتها كاملة في الصراحة والاستقامة إلى القصد، وتجمعت وسائلها كلها في التنظيم ومضاء العزيمة وصحة التفكير، فكان تفكيره السليم وغيرة أتباعه قوتين متشابهتين في العمل والاتجاه.
ناپیژندل شوی مخ