فنظر الناس إليه حينا في صمت، وقد عجبوا أن يمزج هذا الرجل العجيب هزله بمثل هذا الجد الجاهم، ونهض الفند بن سهل سيد بكر اليمامة فقال: أما إنها لكلمة حق صدق فيها أخي جحدر ونصح، فلقد أقبلنا عليكم منذ قليل بوجوه جديدة لم يسبق لكم عهد بها، ولا بد لنا من علامة نتعارف بها.
وأقبل الجمع بعضهم على بعض يتحاورون في الحديث، فقام الحارث بن عباد، وما رآه الناس حتى خشعوا، وهدأت الأصوات وتحولت إليه الأبصار فقال: أيها الإخوان! لقد صدق أخي أبو ضبيعة إذ قال إنه يجب علينا أن نجعل لأنفسنا علامة نتعارف بها، وأرى أن نحلق رءوسنا جميعا فتكون تلك ميزتنا وسمتنا.
فوثب جحدر على قدميه وقال فجأة: «وماذا يبقى لي إذا حلقت لمتي يا أبا بجير؟»
فعلت ضجة الضحك مرة أخرى، واستمر جحدر يقول ضاحكا: أنتم ترون أن شعري نصف قامتي، وبغيره يصبح لي وجه قرد أصلع، فاتركوا لي لمتي، وافعلوا ما شئتم في لممكم.
فصاح فتى من وسط الجماعة يمزح قائلا: «اشترها منا، فلن نتركها لك بغير ثمن.»
فصاح جحدر في جد: «أشتريها بأول فارس من العدو يطلع عليكم، لكم علي أن أقتل أول فارس من تغلب يقبل نحوكم.»
فصاحت الجماعة: «قبلنا قبلنا.»
فأشار الحارث بن عباد للجماعة أن تنصت إليه ثم قال: «لا بأس بهذا، نبيع لجحدر لمته، وأما نحن فنحلق لممنا.»
فصاح الفند بن سهل ضاحكا: «هذا إذا يوم تحلاق اللمم.»
فنظر إليه الحارث باسما وقال: «نعم هو هذا، هو يوم تحلاق اللمم.»
ناپیژندل شوی مخ