قرباها لمرهفات حداد
لقراع الكهول يوم النزال
وأخذ يذهب إلى خيمته يجهز فيها سلاحه شيئا بعد شيء، وهو كلما جهز شيئا خرج به وأنشد بيتا أو بعض أبيات، ثم يرجع إلى الخيمة فيجهز شيئا آخر يعود بعده إلى رحبة الحي مستمرا في إنشاده المضطرب، حتى تجمعت في الرحبة كومة من الدروع والسلاح.
في هذه الساعة كان الشيخ مرة قد بلغ منازل الحارث، ورأى الفرسان ملتفين حول زعيمهم الثائر، فانفرجت له الجموع حتى اقترب من الرجل ومد يده إليه، وقال له بصوت متهدج: «مصاب جلل يا أبا بجير!»
فالتفت الحارث إليه ومد يده إليه مصافحا، وقد ملك نفسه وزال عنه اضطراب الغضب، واكتسى وجهه بدل ذلك هدوءا ينم عن عزيمة ثابتة، وقال يخاطب الشيخ: «ستذوق تغلب عاقبة ظلمها.»
وكانت فرسه النعامة قد جاءت إليه عند ذلك يقودها العبدان، فاقترب منها ومسح رأسها وهي تصهل وتتمسح به، ثم اخترط سيفه وقبض على شعر ناصيتها فجزه، ثم قبض على شعر ذيلها الطويل فقطعه، وسكنت الفرس وظهر عليها وجوم يشبه أن يكون حزنا، وقال كأنه يخاطبها: «ليس بعد اليوم تدليل.»
ثم دفعها إلى العبدين الواقفين عند رأسها في صمت وخشوع، وقال: «قرباها مني فالليلة نسير إلى قتلة بجير.»
ثم أخذ الشيخ مرة من تحت ذراعه وسار به إلى خيمته، وتبعهما جحدر وبعض كبار قيس بن ثعلبة، وانصرف شبان الحي ليعدوا خيولهم للغزوة العاجلة في تلك الليلة.
الفصل الثاني عشر
كان صباحا عاصف الرياح ثائر الرمال، وكان الحر على وقدته ولم تطلع الشمس بعد، تكاد الأنفاس تختنق منه؛ حر يشقق الشفاه ويحرق الوجوه ويحرج الصدور.
ناپیژندل شوی مخ