فأخذ جحدر يقص عليه ما كان من المهلهل منذ ذهب الوفد إليه، وجعل يفصل له وصف ما رأى من عنفه وسوء رده، حتى بلغ وصف ما كان منه عندما رأى بجيرا وسأله عن اسمه، فأغمض الحارث عينيه وتنفس نفسا عميقا، وقال لجحدر: «دع ذلك الحديث ولا تطل فيه. لقد قتله!»
فنظر إليه جحدر مترددا وأمسك عن الكلام لحظة، فصاح به الحارث قلقا: «امض! امض في حديثك. أليس قد قتله؟»
فقال جحدر وهو مطرق: «لقد وددت أني لم أشهد ذلك الأمر ولم أسع فيه، فإن تلك الصورة لا تزال ماثلة أمام عيني لا تفارقني في سير ولا في إقامة، ولا تبعد عني في ليل ولا في نهار. ولو كانت دماء تغلب تملأ البحار التي تحيط بالأرض ما حسبتها تروي غليل بني ثعلبة، لقد قتله وهو يقول: بؤ بشسع نعل كليب!»
فارتد الحارث إلى الوراء خطوة، ونظر إلى محدثه وقد قلصت عضلات وجهه وزوى حاجبيه وصاح بصوت أجش: «ماذا قلت؟ بشسع نعل كليب؟»
فهز جحدر رأسه ونظر إلى الأرض وهو يقول في حزن: «نعم بشسع نعل كليب.»
فصاح الحارث: «ألم يكن في تغلب رجال؟ ألم يكن في تغلب رجال؟»
فصاح جحدر: «كان امرؤ القيس بن أبان يحاول أن يرده فلم يستطع. لقد بالغ في النصح والرجاء، ولكن صوته غرق في العاصفة الهوجاء.»
فرفع الحارث يده مقبوضة فوق رأسه، وعض على نواجذه وتنفس نفسا مضطربا كأنه يختنق ثم قال: «ويل للداعر من غدره! يا ويل زير النساء!» ثم سار مسرعا نحو مضارب خيامه يهرول في اضطراب وقلبه يحترق من الغيظ، وكان في سيره يبعث ألفاظا متقطعة كأنه يخاطب نفسه، ويتبع كل لفظ منها آهة مبحوحة، وكان جحدر والوفد يسيرون وراءه، حتى إذا اقترب من منازله نظر وراءه إلى جحدر وقال في صرخة مكتومة: «لقد بر الخبيث بعهده يوم قال أنه لن يدع شيئا لكليب حتى ينتقم له، حتى الشسع الذي كان يربط به نعله، فكان ولدي قتيل ذلك الشسع.»
ثم ضحك ضحكة مخيفة حتى ظن جحدر أن الرجل قد جن من وقع مصابه.
فلما صار الحارث بين خيامه وقف وصاح ينادي عبدين كانا في رحبة الحي، وقال بصوت ثائر غاضب: «قربا مربط النعامة مني!»
ناپیژندل شوی مخ