فغلى الدم في رأس كليب ووضع يده على مقبض سيفه، ولكنه تردد بعد قليل، ورفع يده ونظر إليه صامتا لحظة، ثم أدار عنه وجهه وقال في مرارة: لقد وعدت جليلة.
ثم انصرف متجها إلى منازله وهو لا يكاد يرى ما أمامه من شدة غضبه المكظوم، ووقف جساس لحظة ينظر في آثاره وهو مضطرب القلب يكاد يتمزق من الغيظ، وقد طعنته الكلمة التي سمعها في صميم فؤاده وزادت حقده التهابا.
ولما بلغ كليب ساحة بيته هب من فيها سراعا، ولكنه وثب عن فرسه وسار نحو خيمته مطرقا، وقامت جليلة مسرعة في لهفة تريد أن تبلغ باب الخيمة قبل أن يدخل، فقد كانت تريد أن تتريث به قليلا قبل الدخول حتى يطأ خطوطا رسمتها بدقيق عند بابها، ولكن كليبا سار مسرعا فلم تدركه جليلة حتى دخل إلى الخيمة بغير أن ينظر إليها، ووقفت جليلة مضطربة الصدر تنظر نحوه وشعور الخيبة يثور بأنفاسها، فلقد ذهبت في الصباح، بعد أن خرج زوجها، إلى عرافة تغلب، واستعانت بها أن تدبر لها من سحرها وكهانتها ما يمنع الشياطين عن ولوج بيتها، ويحفظ لها الزوج الحبيب من وثباتها. فصنعت لها العرافة دقيقا تخط به رسما عند مدخل البيت، لكي يطأه كليب إذا عاد داخلا، وأمرتها أن تذر منه في أركان البيت وتحت أوتاده، وأن تجعل منه تحت وسادتها وحول فراشها لعل زوجها يصيب بخفه أو بيده منه شيئا. فإذا فعل ذلك أمن المهالك، وكان محروسا أينما سار وحيثما استقر.
وشردت جليلة ببصرها نحو الخطوط المرسومة عند الباب لترى هل مسها زوجها بخفه، ولكنها رأت الخطوط سليمة كما رسمتها، فعادت ببصرها إلى كليب، وراعها ما على وجهه من علامات الغضب، ثم تنبهت إلى أنه دخل ولم يبسم لها ولم يأخذها بين ذراعيه كما عودها. فقالت له في صوت العتاب: عمت مساء يا ابن العم.
فقال كليب وهو يحاول الهدوء: عمت مساء أيتها الحبيبة!
ثم عاد إليها ففتح ذراعيه يريد أن يصرفها عن اضطرابه وغضبه، فألقت نفسها بين ذراعيه وقالت مترددة: لعلك قضيت يوما هنيئا في رياض الخزامى.
فقال وهو يلفها بيمناه ويشم شعرها بشغف: وأين الخزامى من عطرك؟
ثم أرسلها وحاول أن يصرف نظره عنها، فخنست في صدره وطوقته بذراعيها، وقالت بصوت خافت فيه رنة الحزن: حمدا لمناة إذ أراك سالما.
ثم أخذت تنشج في هدوء.
فقال يحاول صرفها عن حزنها: وكيف مضيت أنت اليوم يا جليلة؟ هل عاودك الدوار؟
ناپیژندل شوی مخ